للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وعلى الرغم من الوصول الظاهري للقمر، خصص سبينوزا معظم ختام الجزء الخامس "الحرية الإنسانية" لصياغة علم أخلاق طبيعي، ينبوع ومنهج الأخلاق، مستقلين عن الحياة بعد الموت، ولو أن استخدم في ولع شديد تعبيرات دينية، وأن جملة واحدة لتكشف عن نقطة البداية. "أن العاطفة التي تكون انفعالاً أو هوى لا تعود انفعالاً ولا هوى إذا نحن كونا عنها فكرة واضحة متميزة (١٤٧) "-أي أن العاطفة التي تثيرها أحداث خارجية يمكن الهبوط بها من الانفعال إلى شعور منضبط إذا هيأنا لمعرفتنا أن نحتال عليها حتى تصبح علتها وطبيعتها واضحتين، كما يصبح التنبؤ بعاقبة التصرف أمراً ممكناً من خلال الخبرة المختزنة في الذاكرة. وثمة طريقة لإيضاح الحالة العاطفية، تلك هي أن نرى الأحداث التي أنشاتها، بوصفها جزءاً من سلسلة من علل طبيعية ونتائج ضرورية لها. "وبقدر ما يفهم الذهن كل الأشياء على أنها ضرورية لازمة، يكون اكثر سيطرة على العواطف، وأقل سلبية نحوها (١٤٨) "-أي أقل نهباً للانفعالات والأهواء. ولن يصبح أي إنسان انفعالياً لما يعتبره طبيعياً لازماً. ويمكن التخفيف من حدة الغضب لأية إساءة، إذا نظرنا إلى المسيء باعتباره نتاج الظروف التي لم يستطع التحكم فيها. كما يمكن التخفيف من الحزن على فقد والدين مسنين بتذكر أن الموت أمر طبيعي. "ومحاولة الفهم هي الأساس الأول الوحيد للفضيلة (١٤٩) "، بمعنى هذه الكلمة عند سبينوزا، لأنها تنقص من خضوعنا للعوامل الخارجية، وتزيد من قدرتنا على ضبط أنفسنا والمحافظة عليها. والمعرفة قدرة أو قوة، ولكن أفضل وأنفع شكل لهذه القمة هو سيطرتنا على أنفسنا.

وهكذا يطبق سبينوزا طريقته الرياضية (طريقة إقليدس) علي حياة العقل. ويسترجع الأنواع الثلاثة التي وضعها للمعرفة، فيصف المعرفة الحسية، بأنها تتركنا عرضة إلى حد كبير للمؤثرات الخارجية، والمعرفة العقلانية (المكتسبة عن طريق التفكير والتأمل) بأنها تحررنا تدريجياً من استرقاق الانفعالات حيث تمكننا من رؤية العلل المحتومة غير الشخصية للأحداث، وأخيراً المعرفة البديهية أو الحدسية-الوعي المباشر بنظام الكون-ويصفها بأنها تجعلنا نحس أنفسنا جزءاً من ذاك