إن المستقبل يولى وجهه شطر المحيط الهادي، فلابد للعقل أن يتابع خطاه هناك.
لكن كيف يتاح لعقل غربي أن يفهم الشرق؟ إن ثمانية أعوام قضيتها في الدراسة والسفر لم يكن من شأنها سوى أن توضح لي هذه الحقيقة أيضاً - وهي أن العمر بأسره يخصص للبحث العلمي لن يكفي طالباً غريبا ليدمج نفسه في روح الشرق الدقيقة اللمحات وفي تراثه الغامض؛ إن كل فصل وكل فقرة في هذا الكتاب ستقع موقع الإساءة أو موقع الدعابة من نفس القارئ إن كان متحمساً لوطنه أو كان من أصحاب النفوس الغوامض: فاليهودي المتمسك بعقيدته بحاجة إلى كل ما عرف عنه من صبر قديم لكي يعفو عن الصفحات التي كتبت عن يهودا؛ والهندوسي الضارب فيما وراء الطبيعة سيرثي لهذه الخدوش السطحية التي لمسنا بها الفلسفة الهندية؛ وسيضحك الحكيم الصيني أو الياباني ملء شدقيه من هذه المختارات الموجزة المقتضبة اقتضاباً مخلا، التي اقتبسناها من ثروة الشرق الأقصى الزاخر في الأدب والفكر؛ ولقد صحح الأستاذ هاري ولفسن في جامعة هارفرد بعض أخطاء الجزء الخاص بالدولة اليهودية؛ وراجع "الدكتور أناندا كوما راسْوامى" في معهد الفنون الجميلة ببوسطن القسم الخاص بالهند مراجعة بذل فيها أشق مجهود، لكنه ليس بالطبع مسئولاً عن النتائج التي وصلتُ إليها، أو الأخطاء التي ما زالت باقية، وتآزر الأستاذ هـ. هـ. جون المستشرق العلامة في جامعة واشنطن، مع أبطُن كلُوز الذي لا ينفذ علمه بالشرق فيما يظهر، على تصحيح الأخطاء الصارخة في الفصول التي كتبت عن الصين واليابان، وأفادني مستر جورج سوكولسكي في الصفحات التي كتبت عن شئون الشرق الأقصى في أيامنا هذه بما له من معرفة بتلك البلاد استمدها منها مباشرة؛ فإذا أقبل الجمهور على الكتاب إقبالاً يدعو إلى طبعة ثانية منه فسننتهز هذه الفرصة لندخل كل ما عسانا نتلقاه من تصحيحات يقترحها النقاد والأخصائيون والقراء، على أن المؤلف الذي أنهكه التعب يشاطر "تاي تنج" الذي نشر في القرن الثالث عشر