التنظيم الاجتماعي من سلوكه، بالقوة والأخلاقيات وبالقانون، وأن نتذكر أن تحت خضوعه الهم الكريه لهذه المؤثرات التي تؤهله لبيئة اجتماعية، لا تزال تضطرم بين جنبيه دوافع غير مشروعة لم يكن يجد منها في "حالة الطبيعة" إلا الخوف من القوة العدائية. وحذا هوبز وكثيرين غيره في القول بأن الإنسان عاش يوماً في مثل هذه الحالة، وبأن صورته في هذه الوحشية الافتراضية تكاد تكون قاتمة مثل صورته في "اللواياثان" تقريباً. وفي "جنة الشر" هذه كانت قوة الفرد هي الحق الوحيد، ولم يكن ثمة شيء يعتبر جريمة لأنه لم يكن هناك قانون ولم يكن ثمة شيء عدل أو ظلم، صواب أو خطأ، لأنه لم يكن هناك قانون أخلاقي. وبناء على هذا "كان قانون الطبيعة وأوامرها لا تخطر شيئاً .. ولا تقاوم الصراع أو الكراهية أو الغضب أو الخيانة أو بصفة عامة أي شيء توحي به الشهوة (١٦٣) ". وبمقتضى "حق الطبيعي حينذاك، أعنى بعملية الطبيعة، متميزة عن قواعد المجتمع وقوانينه-يكون لأي لإنسان الحق هذا فيما تمكنه قوته من اكتسابه أو الاستيلاء عليه، ولا يزال هذا أمر مسلماً به بين الأجناس استغلال الحيوانات لخدمته أو لغذائه (١٦٥).
ويلطف سبينوزا من هذه الصورة الوحشية بالإيحاء بأن الإنسان، حتى في أول ظهوره على الأرض، ربما كان يعيش بالفعل في جماعات اجتماعية. ومن حيث أن الخوف من الوحدة كان في كل الناس-لأن أي إنسان في الوحدة لا يملك من القوة ما يدافع به عن نفسه، ويحصل به على ضرورات حياته-فإن هذا يستتبع ينزع الناس بالطبيعة إلى تنظيم اجتماعي (١٦٦). ومن ثم فإن في الناس غرائز اجتماعية وغرائز فردية على حد سواء. وللمجتمع وللدولة جذور في طبيعة الإنسان. وكيفما حدث هذا وحيثما حدث، فإن الناس والأسرات اتحدت في جماعات، وحد آنذاك حق الجماعة أو قوتها من "الحق الطبيعي" للفرد أو من قوته. ولا ريب في أن الناس قبلوا هذه القيود أقوى أداة للإبقاء على الفرد ولتنميته وتطويره. وعلى ذلك فإن تعريف الفضيلة بأنها أية صفة تعمل على البقاء-مثل "النزوع للمحافظة