يكن من أمر الهزائم التي مني بها وليم، فإنه ظهر على رأس جيش جديد وتوافرت لديه أموال جديدة. فاسترد نامور في أغسطس ١٦٩٤، واكتشفت فرنسا أنها بعد خمس سنوات أريقت فيها الدماء، عجزت عن غزو حتى الأراضي الوطيئة الأسبانية. وانتصرت جيوش فرنسية أخرى في أسبانيا، ولكنها وجدت من العسير عليها الاحتفاظ بثمرات انتصاراتها أمام أعداء خرجوا عليها من كل جانب، وقد استكملوا ما ظهر لديهم من نقص في العتاد والرجال، وفي يوليه ١٦٩٤ أبحر أسطول إنجليزي لمهاجمة برست. وكان بعض الأصدقاء في إنجلترا (من بينهم كما يقال مالبرو نفسه (٢٨)) قد أبلغوا جيمس الثاني عن هذه الخطة سراً، ومن ثم فإن الفرنسيين الذين أنذروا بها من قبل، نصبوا المدافع على الشاطئ عند برست، وصدوا الإنجليز عنها بعد أن تكبدوا خسائر فادحة.
وفي يناير ١٦٩٥ قضى مارشال دي لوكسمبرج نحبه، فلم يعد مع لويس الرابع عشر إلا قواد من الدرجة الثانية، أن الحلفاء نادراً ما وطئت أقدامهم أرض فرنسا، ولكن فرنسا نفسها كانت تحس بوطأة حرب من نوع جديد، لم يكن يحارب فيها مرتزقة مأجورون، بل أمم بأسرها جندت لينافس بعضها بعضاً في القتل والتنكيل. وحتى في الوقت الذي كان الشعب الفرنسي يهتف لقواده وأبطاله ويهلل لهم ويحي انتصاراتهم، فإنه، وقد أثقلت الضرائب كاهله بشكل لم يسبق له مثيل، قارب حد الاستنزاف جسداً وروحاً. وانضم القحط إلى الفقر والعوز في ١٦٩٤ فكان ضغثاً على إبالة. وفي أبرشية واحدة مات ٤٥٠ شخصاً جوعاً (٢٩) وكان الاقتصاد القومي على شفا الانهيار. وعمت الفوضى وسائل النقل، حيث توقف تقريباً إصلاح الجسور والطرق أثناء الحرب. واختنقت التجارة الداخلة نتيجة المكوس التي كانت تجبى في مائة موقع عبر الأنهار أو في البر. وكانت التجارة الخارجية قد شلت حركتها نتيجة لرسوم الصادرات والواردات. وكادت الآن تكون متعذرة تماماً لوجود أساطيل الأعداء والقرصان. وساءت أحوال أولئك الذين كانوا يعتمدون على صيد الأسماك والتجارة على الشواطئ. ونضبت موارد مئات من المدن بما كانت تقدم من معونة ومؤونة للفرق العسكرية التي تنزل بها، وهبط الفقر والقحط والمرض والحرب بعدد سكان فرنسا من نحو ٢٣