التي أعقبت ذلك، وكانت لعبة دامية إلى حد لم يسبق له مثيل تقريباً. والآن جاءت حملات مالبرو ويوجين سافوي البارعة المثيرة الملطخة بالدماء. وربما لم تجتمع منذ عهد قيصر عبقرية الحرب وفن الدبلوماسية مثل ما اجتمعا في مالبرو: كان بارعاً في استراتيجية تخطيط العمليات وتحريك الجيوش، وفي أساليب استخدام المشاة والخيالة والمدفعية، مع سرعة في تقدير الموقف واتخاذ القرار، وفق متطلبات المعركة، ومع ذلك فهو أيضاً صبور لبق في التعامل مع الحكومات من ورائه، والشخصيات من حوله، حتى مع العداء اللذين اعتبروه رجل دولة يدرك الحقائق، ذا وزن وقوة ونفوذ. وكان في بعض الأحيان قاسياً لا يرحم، وفي أغلب الأحيان مجرداً من المبادئ الخلقية والإنسانية. وسفك من دماء جنوده أي قدر لازم لتحقيق النجاح، واتصل بجيمس الثاني وجيمس الثالث ليضمن لنفسه نصيراً باسماً مشرقاً إذا عاد آل ستيوارت إلى الحكم. ولكنه كان منظم وصانع النصر.
وحيث أدرك لويس الرابع عشر أن كل عظمة عصره معلقة في كفة الميزان، وأن النزاع حول أسبانيا بات صراعاً من أجل قارات، فإنه هاب بفرنسا أن تبعث إليه بأبنائها وذهبها. وما وافى عام ١٧٠٤ حتى كان لديه ٤٥٠ ألف رجل مسلحين-قدر ما لدى أعدائه مجتمعين (٥٤). وأملاً منه في التبكير بحسم هذا الصراع الباهظ التكاليف، أصدر أوامره إلى قواته الرئيسية بالتقدم عبر بافاريا الصديقة، ومهاجمة قلعة العدو الأخيرة، ألا وهي فيينا التي عجزت الحشود التركية نفسها عن الاستيلاء عليها. وانشغلت القوات الإمبراطورية في الشرق بعصيان مسلح وقع في المجر، وتركت عاصمتها مجردة من وسائل الدفاع تقريباً. وعلى حين كان مفروضاً أن يضيق جيش فرنسي بقيادة فيلروا الخناق على مالبرو في الأراضي الوطيئة، فإن القوات الفرنسية بقيادة مارسان وتللارد انضمت إلى قوات ناخب بافاريا، وأسرعت في التقدم إلى النمسا. ومرة أخرى هرب الإمبراطور من فيينا، كما حدث في ١٦٨٣، إدراكاً منه بأن وقوعه في أيدي الأعداء لا بد أن يكون كارثة على موقف الحلفاء.
وفي هذه الأزمة، وعلى الرغم من توسلات الجمعية الوطنية الهولندية، ولكن بموافقة سرية من جانب هينسيوس، قرر مارلبرو أن يغامر بوقوع هولندا في يد فليروا، ويجد السير ليلاً ونهاراً من بحر