واستبداداً، ولكنهما استمتعا باللذة وهي حقيقة لا تستطيع أن تهبها حسن الأحدوثة. فإذا لامهم الناس فإنهم لا يعرفون، وإذا اثنوا عليهم ظلوا بهذا الثناء جاهلين، وسمعتهم (السيئة) لا تهمهم أكثر مما تهم جذع شجرة أو مَدَرة (١٦٢).
ألا ما أعظم الفرق بين هذه الفلسفة وبين فلسفة كنفوشيوس وهنا أيضاً نظن أن الزمان وهو رجعي كالرجعيين من الآدميين قد أبقى لنا آراء أجل المفكرين الصينيين وأعظمهم، ثم عدا على الباقين كلهم تقريباً فطواهم في غمرة الأرواح المنسية. ولعل الزمان محق في فعله هذا، ذلك أن الإنسانية نفسها ما كانت لتعمر طويلاً لو كان فيها كثيرون ممن يفكرون كما يفكر يان جو. وكل ما تستطيع أن ترد به عليه هو أن المجتمع لا يمكن أن يقوم إذا لم يتعاون الفرد مع زملائه أخذاً وعطاءاً؛ وإذا لم يتحملهم ويصبر على أذاهم، ويتقيد بما في المجتمع، من قيود أخلاقية، وإن الفرد الكامل العقل لا يمكن أن يوجد في غير مجتمع، وأن حياتنا نفسها إنما تعتمد على ما فيها من قيود. ومن المؤرخين من يرى في انتشار هذه الفلسفة الأنانية بعض الأسباب التي أدت إلى ما أصاب المجتمع الصيني من انحلال في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد (١٦٣). فلا عجب والحالة هذه أن يرفع منشيس، جنسن (Dr. Johnson) زمانه، عقيرته بالاحتجاج الشديد وبالتشهير بأبيقورية ينج جو وبمثالية مودي فقال:
"إن أقوال ينج جو ومودي تملأ العالم؛ وإذا سمعت الناس يتحدثون وجدتهم قد اعتنقوا آراء هذا أو آراء ذاك. فأما المبدأ الذي يدعو إليه ينج فهو هذا. "كل إنسان وشأنه" وهو مبدأ لا يعترف بمطالب الملك. أما مبدأ مو فهو هذا: "أحب الناس جميعا بقدر واحد"- وهو مبدأ لا يعترف بما يحق للأب من حب خاص. ومن لا يعترف بحق الملك ولا بحق الأب كان في منزلة الحيوان الأعجم. فإذا لم يوضع لمبادئهما حد، وإذا لم تسد مبادئ