ولسنا ندري متى حلت الشمس محل القمر سيدة على دولة السماء، عند الديانة البدائية؛ وربما حدث ذلك حين حلت الزراعة محل الصيد، فكان سير الشمس محدداً لفصول البذر وفصول الحصاد، وأدرك الإنسان أن حرارة الشمس هي العلة الرئيسية فيما تدره عليه الأرض من خيرات؛ عندئذ انقلبت الأرض في أعين البدائيين إلهة تخصبها الأشعة الحارة، وعبد الناس الشمس العظيمة لأنها بمثابة الوالد الذي نفخ الحياة في كل شيء حي ومن هذه البداية الساذجة هبطت عبادة الشمس إلى العقائد الوثنية عند الأقدمين ولم يكن كثير من الآلهة فيما بعد سوى تشخيص للشمس وتجسيدلها؛ ألم يَقضِ اليونان على أناكسجوراس بالنفي لأنه استباح لنفسه أن يذهب بالظن مذهبا مؤداه أن الشمس ليست إلها، بل هي كرة من النار تقرب في حجمها من"بلبونيز"؟ وكذلك استبقت العصور الوسطى بقية من عبادة الشمس في الهالات التي كان الناس يصورونها حول رءوس القديسين، وإمبراطور اليابان في أيامنا هذه معدود عند معظم شعبه بأنه تجسيد لإله الشمس، الحق أنك لا تكاد تجد خرافة من خرافات العصر القديم إلا ولها لون من الحياة القائمة بيننا اليوم؛ إن المدنية صنيعةُ أقلية من الناس أقاموا بناءها في أناة واستمدوا جوهرها من حياة الترف؛ أما سواد الناس وغمارهم فلا يكاد يتغير منهم شئ كلما مرت بهم ألف عام.
وكل نجم شأنه شأن الشمس والقمر، يحتوي إلهاً وهو بذاته إله، ويتحرك بأمر روح كامن في جوفه؛ وهذه الأرواح في ظل المسيحية أصبحت ملائكة تَهدي سواء السبيل، أو إن شئت فقل أصبحت لأفلاك السماء قادةً تسلك بها في مسالكها، حتى "كبلر" لم يبلغ من النظرة العلمية مبلغا يحمله على إنكارها؛ والسماء نفسها كانت إلهاً عظيما، تقام لها العبادة في تبتل لأنها هي التي تنزل الغيث أو تحبسه؛ وكثير من القبائل البدائية يستعمل كلمة "الله" لتعني "السماء" ولفظ الله عند "اللوباري" و "الدنكا" معناها المطر، وكذلك كانت السماء