الملك منافذ أخرى. وكان عرفانها بحسن صنيع مدام دي بري والدوق دي بوربون محنة ابتليت بها وأصغت في صبر ناقد حين هاجم الدوق بوربون فليري في حضرة الملك. وعندما تولى زمام السلطة أرسل بناتها إلى دير ناء بحجة الاقتصاد في النفقات. ورجح نفوذه المتزايد من كفة أعدائها. ولما زاد فتور الملك نحوها آوت إلى حلقة محدودة من أصدقائها، ولعبت الورق ونسجت البسط، وحاولت الرسم، ووجدت بعض السلوى والعزاء في التقوى وأعمال البر. "وعاشت حياة الدير والرهبنة وسط انفعالات الحاشية وعبثها"(٩٤).
وكان ينبغي للملك أن يلهو ويتسلى، ولكن مدام دي بري كانت قد اختارت له زوجة غير مسلية. على أنه لم يتخذ خليلة إلا بعد سبعة أعوام من زواجه، وعند ذاك اتخذ أربعاً على التعاقب، مع قدر محدود من الإخلاص، لأنهن كن أخوات. ولم يكن رائعات الجمال، ولكن كن جميعاً نشيطات مسليات مفعمات بالحيوية، وكن جميعاً ما عدا واحدة ذوات خبرة بأساليب الغنج والدلال والعبث. وواضح أنه كان للويزا دي نسل كونتيسة دي مللي الشرف في أن تكون سباقة إلى إغراء الملك وإغوائه (١٧٣٢). إنها، مثل لويزا دي لآفالبير، أخلصت في حبها لعشيقها الملكي، ولم تكن تسعى للثراء أو السلطة، وكل ما سعت إليه هو أن تسعده. فلما زاحمتها أختها فليسيتيه، وكانت لتوها قد غادرت الدير، على مخدع الملك، فإن لويزا شاركتها في لويس (١٧٣٩) في قران رباعي مهرطق-لأنه ظل يتردد على الملكة. وأزعج هذا التعقيد ضمير الملك، وتجنب تناول القربان المقدس، لفترة من الوقت، بعد أن سمع قصصاً رهيبة مفزعة عن أناس كانوا قد تناولوا القربان في فم آثم خاطئ. (٩٥) إن هذه المرأة المغوية الخطرة (السيرانه: عند الإغريق كائن أسطوري له رأس امرأة وجسم طائر، كانت تسحر الملاحين بغنائها فتوردهم موارد الهلاك) -كما تروي إحدى أخواتها "كان لها شكل الغرناد (سمك بحري) وعنق الغرنوق (طائر ذو عنق طويل) ورائحة القرد"(٩٦). ومع ذلك احتالت