بالمتناقضات هو قولنا إنه وحدة الأشياء كلها وانسيابها الهادئ من نشأتها إلى كمالها والقانون الذي يسيطر على هذا الانسياب.
"ولقد كان موجوداً ثابتاً منذ الأزل قبل أن توجد السماء والأرض"(١٩٨) وفي هذه الوحدة العالمية تتلاشى كل المتناقضات، وتزول كل الفروق، وتتلاقى كل الأشياء المتعارضة؛ وليس فيه ولا في نظرته إلى الأشياء طيب أو خبيث، ولا أبيض أو أسود، ولا جميل أو قبيح (١)، ولا عظيم أو حقير. "ولو عرف الإنسان أن العالم صغير كحبة الخردل، وأن طرف الشعرة لا يقل في الارتفاع عن قمة الجبل، أمكن أن يقال عنه أنه يعرف النسبة بين الأشياء (٢٠٠). وفي هذا الكل المبهم الغامض لا يدوم شكل من الأشكال، وليس فيه صورة فذة لا تنتقل إلى صورة أخري في دورة التطور التي تسير على مهل:
"إن بذور (الأشياء) دقيقة ولا حصر لها. وهي تكون على سطح الماء نسيجاً غشائياً. فإذا وصلت إلى حيث تلتقي الأرض والمياه اجتمعت وكونت (الحزاز الذي يكون) كساء الضفادع والحيوانات الصوفية. فإذا دبت فيها الحياة على التلال والمرتفعات صارت هي الطلح؛ فإذا غذاها السماء أضحت نبات عش الغراب. ومن جذور عش الغراب ينشأ الدود ومن أوراقه ينشأ الفراش. ثم يستحيل الفراش حشرة- وتعيش تحت موقد. ثم تتخذ الحشرة صورة اليرقة، وبعد ألف عام تصبح اليرقة طائراً … ثم تتحد الينجشي مع خيزرانة فينشأ من اتحادهما الخنج- تنج؛ ومنه ينشأ النمر، ومن النمر ينشأ الحصان، ومن الحصان ينشأ الإنسان. فالإنسان جزء من آلة (التطور) العظيمة، التي تخرج منها جميع الأشياء، والتي تدخل فيها بعد موتها" (٢٠١).
لا ننكر أن هذه الأقوال ليس فيها من الوضوح ما في نظرية دارون
(١) كانت شي- شيه امرأة جميلة، ولكن لما انعكست ملامحها في الماء فرت منها الأسماك خائفة.