أثناء صبه يناديه. "يجب أن أكون مويه (سيفاً قديماً مشهوراً) فإن الصاهر العظيم يعد هذا المعدن معدناً خبيثاً بلا ريب. وذلك أيضاً شأن الإنسان، فإذا ما أصر أن يكون إنساناً ولا شيء غير إنسان، لأنه في يوم من الأيام قد تشكل في صورة الإنسان، إذا فعل هذا فإن من بيده تصوير الأشياء وتشكيلها سيعده بلا ريب مخلوقاً خبيثاً. وإذن فلننظر إلى السماء والأرض نظرتنا إلى مصهر عظيم، ولننظر إلى مبدل الأشياء نظرتنا إلى صاهر عظيم؛ فهل لا نكون في مكاننا الحق أينما ذهبنا؟ إن السكون هو نومنا والهدوء هو يقظتنا"(٢٠٣).
ولما تصرم أجل جونج نفسه أعد أتباعه له جنازة فخمة ولكنه نهاهم عن ذلك وقال لهم:"أليس موكب جنازتي معداً إذا كانت السماء والأرض تابوتي وغطائي، والشمس والقمر والنجوم شعائري، والخلائق كلها تشيعني إلى قبري؟ " ولما عارض أتباعه في هذا، وقالوا إنه إن لم يدفن أكلت طيور الهواء الجارحة لحمه، رد عليهم جونج بقوله:"سأكون فوق الأرض طعاماً للحِدَأ، وسأكون تحتها طعاماً لصراصير الطين والنمل؛ فلم تحرمون بعضها طعامها لتقدموه للبعض الآخر؟ "(٢٠٤).
وإذا كنا قد أطنبنا في الكلام على فلاسفة الصين الأقدمين فإن بعض السبب في هذا يرجع إلى أن مشكلات الحياة الإنسانية المعقدة العسيرة الحل ومصائرها تستغرق تفكير العقل الباحث، وأن بعضه الآخر يرجع إلى أن علم فلاسفة الصين الأقدمين هو أثمن تراث خلفته تلك البلاد للعالم. ومن الدلائل القوية على قدر هذه الفلسفة أن ليبنتز Leibbnitz صاحب العقل العالمي الواسع، قام من زمن بعيد (في عام ١٦٩٧ م)، بعد أن درس الفلسفة الصينية، ينادي بضرورة تطعيم فلسفة الشرق والغرب كلتيهما بالأخرى وعبر عن رأيه هذا بألفاظ ستظل محتفظة بقيمتها في كل عصر ولكل جيل:
"إن الأحوال السائدة بيننا وما استشرى في الأرض من فساد طويل