والهدف الخلقي، عالم برتجف في زمهرير التفاهة والحقارة، وكان الحديث شائقاً تتخلله الدعابة والمرح. وغالباً ما انتقل إلى هزل ظاهري، وهنا كان التفكير ينحصر في ظواهر الأمور خشية عدم العثور على شيء في أعماقها. وكان القيل والقال والفضائح تنتشر بسرعة من ناد إلى ناد ومن بيت إلى بيت، وكثيراً ما تطرق الحديث إلى آفاق خطيرة في السياسة والدين والفلسفة، مما قد يتيسر الخوض فيه اليوم إلا نادراً.
وكان المجتمع متألقاً، لأن السيدات كن مبعث الحياة فيه، وكن المعبودات التي قدسها هذا المجتمع، وهن اللائي تولين توجيهه، وبطريقة ما وبرغم العرف والعوائق أتيح لبعضهن قدر من التعليم يكفي لتبادل الحديث في فطنة وذكاء مع أئمة الفكر الذين أحببن أن يستضيفوهم. ونافسن الرجال في الاستماع إلى محاضرات رجال العلم (٤٠). إذ عاش الرجال قليلاً في المعسكرات وطالت إقامتهم في العاصمة وفي الحاشية فقد تزايد إحساسهم بالمفاتن غير الملموسة في النساء-رشاقة الحركة، عذوبة الصوت حيوية الروح ومرحها، بريق العينين، رهافة الذوق، الجزع المشوب بالحنان والحب، النفس المشربة بالرحمة والشفقة. إن تلك الصفات جعلت المرأة محبوبة في كل مدينة ولكنا ربما لا نجد في أية ثقافة أخرى أن الطبيعة والتعليم والملابس والحلي وأدوات التجميل والزينة قد جعلت من المرأة مخلوقاً يسحر الألباب بقدر مل كانت عليه في فرنسا القرن الثامن عشر. وكل هذا المفاتن والمغريات لا تستطيع على أية حال أن تفسر سلطان المرأة وقوتها. إن الذكاء في معالجة الرجال وسياستهم أمر ضروري. وبارى ذكاء النساء عقل الرجال وفي بعض الأحيان تفوق عليه. وعرف النساء الرجال أفضل مما عرف الرجال النساء. والرجال يندفعون في تهور بالغ إلى أفكار لتنضج حتى تفهم، على حين إن التراجع المحتشم المطلوب حتى من السيدة المتفتحة، هيأ لهل فسحة من الوقت للملاحظة والتجريب وتخطيط حملتها أو هجومها.
وكلما ازدادت حساسية الرجل اتساعاً وعمقاً، نما تأثير المرأة ونفوذها. وفتشت البسالة في ميدان الحب عن جزاء وفاق لها في الصالون وفي مخدع