رواتبها السنوية. ووجدت في جولي دي لسبيناس شابة لطيفة نشيطة فاتنة تعاونها على أن تستقبل وتستضيف الأصدقاء. وكانت هي آنذاك تتصدر المائدة وكأنها هومر الأعمى يتصدر مائدة مستديرة وحوله الحكماء وشعراء الملاحم البطولية، وكانت تتنقل هنا وهناك وقورة شامخة متحدية لمدة ستة وعشرين عاماً آخر. وإنا لنأمل أن نلتقي بها هي أيضاً مرة أخرى.
ولقد كان عصراً مشرقاً زاهياً، لأن النساء تألقن فيه، وجمعن فيه بين الذكاء والجمال، مما لم يسبق له مثيل. وبفضلهن ألهب الكتاب الفرنسيون الفكر بالعاطفة، وزينوا الفلسفة بالظرف وخفة الروح. وكيف كان يتسنى لفولتير أن يكون فولتير بغير وجودهن؟ حتى ديدرو الفظ الغامض اعترف بقوله "إن النساء عودتنا أن نناقش أشد الموضوعات جفافاً وتعقيداً، بشكل ساحر واضح، إننا نحدثهم حديثاً متواصلاً، ونريد منهن الإصغاء إلينا، ونخشى أن يتولاهن التعب أو الضجر. ومن ثم كنا نستخدم طريقة معينة في إيضاح آرائنا لهن في يسر وسهولة. وكانت هذه الطريقة تنتقل من مجرد الكلام إلى أسلوب"(٤٨) وبفضل النساء أصبح النثر الفرنسي أكثر إشراقاً ووضاءة من الشعر واكتسب اللغة الفرنسية سحراً رقيقاً، ورشاقة في العبارة ولباقة في الحديث مما جعلها بهيجة ذات مكانة رفيعة. وبفضل النساء انتقل الفن الفرنسي من طراز الباروك الغريب الشاذ إلى الشكل المهذب المصقول والذوق الرفيع، مما ازدانت به كل مظاهر الحياة في فرنسا.