وهناك أيضاً اللوحة التي تحدى بها بوشيه وهي لوحة البستل الوحيدة التي عرضها ١٧٥٥. وأفلتت الفرصة منه تقريباً. فحين وجهت إليه الدعوة ليرسم أشهر سيدة في المملكة أجاب "أرجو أن تتفضلوا بإبلاغ مدام دي بمبادور أنني لا أخرج لأرسم". وكانت تلك طريقته في جلب الحظ والمال، مثل إيقاع الفريسة في الشرك، بالتراجع، وتوسل إليه أصدقاؤه أن يقبل، فأرسل كتاباً ينبئ بأنه سيحضر، ولكن شريطة ألا يقطع عليه أحد سير العمل. ولما وصل نزع وقاء حذائه، وخلع الحذاء، ونزع شعره المستعار عن رأسه ورقبته (ياقته) وغطى رأسه بقلنسوة حريرية، ثم بدأ يرسم. وفجأة فتح الباب ودخل الملك. فاحتج لاتور قائلاً: لقد وعدتني يا سيدي أن يظل الباب مغلقاً "فضحك الملك ورجاه أن يستأنف عمله، ولكنه رفض" يستحيل علي أن أطيع جلالكم. سأعود عندما تكون السيدة وحدها … لا أحب أن يقاطعني أحد. فانسحب الملك، وأكمل الفنان الجلسة، ومن أشهر صورتين لمدام دي بمبادور، نجد أن اللوحة التي رسمها لاتور أعمق من تلك التي أنتجها بوشيه، وأقل إشراقاً في اللون، واتقاناً في اللمسات الخيرة والتفاصيل، ولكنها أكثر نضجاً من حيث التعبير وإبراز الشخصية. ولا ريب أن لاتور رسم المركيزة، بإيحاء منها، باعتبارها راعية للفن والموسيقى والأدب والفلسفة، وعلى أريكة قريبة منها قيثارة، وفي يدها بعض صفحات موسيقية، وعلى المنضدة كرة أرضية، وحقيبة أوراق من نفش يديها، وقصة فولتير "هنرياد" وكتاب مونتسكيو "روح القوانين" والمجلد الرابع من موسوعة ديدرو.
وعندما فرغ لاتور من اللوحة طلب عليها أجراً قدره ٤٨ ألفاً من الجنيهات. وعلى الرغم من تبذيرها وإسرافها فإنها رأت أن المبلغ المطلوب مبالغ فيه بعض الشيء، وأرسلت إليه ٢٤ ألف جنيه ذهباً. وفكر لاتور في رد المبلغ. فسأله شاردان إذا كان يعرف ثمن اللوحات الموجودة في نوتردام، بما فيها روائع برون ولي سير، فأجاب لاتور سلياً، وقدر شاردان جملة تكاليفها بمبلغ ١٢ ألف جنيه. وأعاد لاتور النظر في تقديره