الكتب في تلك الأيام تكتب على شرائح من الخيزران يشد بعضهما إلى بعض بمشابك متحركة، وإذ كان المجلد الواحد لهذا السبب كبير الحجم ثقيل الوزن، فإن العلماء الذين حاولوا إخفاء هذه الكتب قد لاقوا عناء كبيراً. وكشف أمر بعضهم، وتقول الروايات إن كثيرين منهم أرسلوا للعمل في بناء السور الكبير، وأن أربعمائة وستين منهم أعدموا (١٠). ولكن بعض الأدباء حفظوا مؤلفات كنفوشيوس كلها عن ظهر قلب، ولقنوها لحفاظ مثلهم، فما إن توفى الإمبراطور عادت هذه الكتب من فورها إلى الظهور والانتشار، وإن كان كثير من الأغلاط قد تسرب في أكبر الظن إلى نصوصها. وكل ما كان لهذا التحريم من أثر خالد أن خلع على الآداب المحرمة هالة من القداسة وأن جعل شي هونج - دي مبغضاً إلى المؤرخين الصينيين. وظل الناس أجيالاً طوالاً يعبرون عن عقيدتهم فيه بتدنيس قبره (١١).
وكان من أثر القضاء على الأسر القوية وعلى حرية الكتابة والخطابة أن أمسى شي في شيخوخته لا نصير له ولا معين. وحاول أعداؤه عدة مرات أن يغتالوه، ولكنه كان يكشف أمرهم في الوقت المناسب ويقتل بيده من يحاولون قتله. وكان يجلس على عرشه والسيف مسلول فوق ركبتيه، ولا يسمح لأحد أن يعرف في أية حجرة من حجرات قصوره الكثيرة ينام ليله (١٣). وقد حاول كما حاول الإسكندر من بعده أن يقوي أسرته بما يذيعه في الناس من أنه إله، ولكنه أخفق في غرضه هذا كما أخفق الإسكندر لأنه لم يستطع أن يقنع الناس بما بينه وبين الآلهة من شبه. وأصدر أمراً بأن يطلق عليه خلفاؤه "الإمبراطور الأول"، وأن يضعوا هم لأسمائهم أرقاماً مسلسلة من بعده تنتهي بالإمبراطور المتمم لعشرة آلاف من نسله. ولكن أسرته قضي عليها بموت ولده. وإذا جاز لنا أن نصدق أقوال المؤرخين الذين كانوا يبغضونه فإنه صار في شيخوخته يؤمن بالخرافات، وينفق الأموال الطائلة في البحث عن أكسير الخلود. ولما