للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كوريا ومنشوريا وأنام، والهند الصينية والتركستان، وشملت الصين - لأول مرة في التاريخ جميع الأقاليم الشاسعة التي تعودنا أن نقرنها باسمها. وأخذ وو - دي يقوم بتجارب في الاشتراكية، فجعل موارد الثروة الطبيعية ملكاً للامة، وذلك ليمنع الأفراد "أن يختصوا أنفسهم بثروة الجبال والبحار، ليجنوا من ورائها الأموال الطائلة، ويخضعوا لهم الطبقات الدنيا (١٦). واحتكرت الدولة استخراج الملح والحديد وعصر الخمور وبيعها. وأراد وو - دي - كما يقول معاصره زوماتشين - أن يقضي على سلطان الوسطاء والمضاربين "الذين يشترون البضائع نسيئة، ويعقدون القروض، والذين يشترون ليكدسوا ما يشترونه في المدن، والذين يخزنون كل أنواع السلع"، فأنشأ نظاماً قومياً للنقل والتبادل تشرف عليه الدولة، وسعى للسيطرة على التجارة حتى يستطيع منع تقلب الأسعار الفجائي. فكان عمال الدولة هم الذين يتولون شئون نقل البضائع وتوصيلها إلى أصحابها في جميع أنحاء البلاد. وكانت الدولة نفسها تخزن ما زاد من السلع على حاجة الأهلين، وتبيعها إذا أخذت أثمانها في الارتفاع فوق ما يجب، كما كانت تشتريها إذا انخفضت الأسعار وبهذه الطريقة كان "أغنياء التجار وأصحاب المتاجر الكبيرة يمنعون من أن يجنوا الأرباح الطائلة … وكانت الأسعار تنظم وتتوازن في جميع أنحاء الإمبراطورية" (١٧). وكان دخل الأفراد كله يسجل في سجلات حكومية وتؤدى عنه ضريبة مقدارها خمسة في المائة. وكان الأمير يسك النقود المصنوعة من الفضة مخلوط بالقصدير لتكثر في أيدي الناس فيسهل عليهم شراء البضائع واستهلاكها. وشرع يقيم المنشآت العامة العظيمة ليوجد بذلك عملاً لملايين الناس الذين عجزت الصناعات الخاصة عن استيعابهم، فأنشئت الجسور على أنهار الصين وحفرت قنوات لا حصر لها لربط الأنهار بعضها ببعض وإرواء الحقول (١)


(١) ويقول جرانت في هذا: "لقد كان هذا انقلاباًً كاملاًً. ولو كان للإمبراطور أعوان من طرازه لاستطاع أن ينتفع بهذا ويخلق من الصين دولة ذات مجتمع من طراز جديد … ولكن الإمبراطور لم يكن يرى إلا الضرورات الماسة العاجلة، ويخيل إلينا أنه لم يكن يفكر إلا في استخدام الوسائل المختلفة المرتجلة يوماًً بعد يوم ثم يتركها إذا ما حصل منها على ما يبتغيه، وبدت له قديمة بالية. وكان يضحى برجاله الجدد إذا ما تراءى له أنهم بلغوا من النجاح حداً يكسبهم من السلطان ما يخشى منه على نفسه. ومن أجل هذا فإن قلق الطاغية وقصر نظر المتشرعين أضاعا على الصين فرصة ثمينة قلما تعود لتجعل من بلادها دولة موحدة مندمجة منظمة".