وربما تسنى له في أيام النجاح والعيش الرغيد هذه أن يكتب رواية "بابوك أو الدنيا كما هي" وبابوك رجل من سكيزيا (إقليم قديم في جنوب شرقي أوربا وجنوب غربي آسيا) يجول ليرى الدنيا، وبخاصة كيف تسير المور في فارس (أي فرنسا) وأصابه الذهول والفزع لما رأى من الحروب والفساد السياسي وشراء الوظائف وجباية الضرائب وثراء رجال الدين. ولكن ترحب به سيدة (مدام دي بمبادور) استماله جمالها وثقافتها وكياستها إلى "المدينة" ويرى بابوك هنا وهناك بعض مظاهر الكرم ونماذج للأمانة. ثم يزور رئيس الوزراء (تذكير بالكاردينال فليري) ويجده يعمل جاهداً لإنقاذ فارس من الفوضى والهزائم، ويخلص إلى أن الأمور تسير سيراً حسناً بقدر ما تسمح به الظروف الراهنة للطبيعة البشرية للتعليم، وأن الدنيا بوضعها الحاضر لا تستحق التدمير بعد، وأن الإصلاح خير من الثورة، أما بالنسبة لشخصه هو على أية حال فإنه سيقلد الحكماء الحقيقيين الذين سيعيشون بينهم وبين أنفسهم في عزلة وهدوء (٧٥). فهل شعر بالوحشة والشوق إلى سيري فعلاً؟
إنه على أية حال لم يكن لائقاً ليعمل في البلاط. فإنه بطريقة تعوزها اللباقة إلى حد لا يصدق احتفل بانتصار الفرنسيين في برجن آوب زوم بقصيدة صور فيها الملك لويس الخامس عشر طائراً من ميدان المعركة إلى أحضان بمبادور، وعهد إليهما معاً بمهمة الاحتفاظ بالفتوحات واستبد الغضب بالملكة وبأبنائها، وأستنكر نصف أفراد البلاط وقاحة الشاعر، وفي الوقت عينه كانت دي شاتيليه قد انغمست في لعب الميسر، وفي ليلة واحدة خسرت ٨٤ ألف فرنك، وأنذرها فولتير بالإنجليزية وهو واقف إلى جوارها بأنها تغش في اللعب. وفهم بعض اللاعبين ذلك واحتجوا وترامت أنباء هذه الصراحة المخزية إلى أفراد الحاشية، فلم تترك للشاعر صديقاً في فرساي أو فونتنبلو، وهرب فولتير وأميلي إلى سكو (١٧٤٧) ليقيما لدى الدوقة دي مين التي ما زالت على قيد الحياة، وهناك بقي لمدة شهرين في جناح منفرد (منعزل) بعيد عن أنظار الناس، وهناك حاول أن ينسى ورطته