كان أعظم الملحنين الأحياء، باستثناء الأوبرا (٣٠). وقد بلغ شكلان موسيقيان، هما الأوراتوريو والفوجه، غاية تطورهما في إنتاج الألمان في النصف الأول من القرن الثامن عشر، وقد يضيف البعض أن القداس الكاثوليكي الروماني تلقى تعبيره النهائي على يد بروتستنتي ألماني. لقد انتهى عصر القصور، وبدأ عصر الموسيقى.
كانت الموسيقى جزءا من الدين، كما كان الدين جزءا كبيرا جدا من الموسيقى في كل بيت ألماني. فما من أسرة، اللهم إلا في أفقر الطبقات إلا استطاعت أن تترنم بالترانيم المشتركة، وما من فرد إلا استطاع أن يعزف على آلة أو أكثر. ورتلت مئات من جماعات الهواة المسماة Liebhaber الكنتاتات التي يعتبرها المرتلون المحترفون اليوم عسيرة إلى حد مثبط (٣١). وظفرت كتيبات الموسيقى بشعبية الكتاب المقدس. ودرست الموسيقى مع القراءة والكتابة في المدارس العامة. وكان النقد الموسيقي أرقى من نظيرة في أي بلد باستثناء إيطاليا، وكان أعظم نقاد الموسيقى في ذلك القرن ألمانيا.
وأغلب الظن أن يوهان ماتيزون كان أشهر من أي موسيقى ألماني بين الموسيقيين الألمان وأقلهم ظفرا بحبهم. فقد حجب غروره جلائل أعماله. عرف اللغات الأدبية القديمة والحديثة، وألف في القانون والسياسة، وأجاد العزف على الأرغن والبيان القيثاري إجادة أتاحت له أن يرفض أكثر من عشر دعوات إلى شغل وظائف مرموقة، وكان راقصا رشيقا، ورجل دينا عريض الثقافة، وكان مثاقفاً خبيراً كاد يقتل هاندل في مبارزة معه. وغنى بنجاح في أوبرا همبورج، وألف الأوبرات، والكانتاتات، وتراتيل أسبوع الآلام، والموشحات الدينية، والسوناتات والسويتات. وطور شكل الكانتاتا قبل باخ. وظل تسع سنين قائد فرقة المرتلين للدوق هولستين، فلما أصيب بالصم قنع بأن يؤلف. وأصدر ثمانية وثمانين كتابا، ثمانية منها في الموسيقى، وأضاف إليها رسالة عن التبغ. وأنشأ واشرف على صحيفة "النقد الموسيقي"(١٧٢٢ - ٢٥)، وهي أقدم ما عرفنا من نقاش نقدي