كان قد احترق، ولم يكن أهلها المرهقون في حال يتقبلون معها هذه التنويعات الغريبة، وكان شعب الكنيسة ممزقاً بين اللوتريين السنيين المولعين بالترتيل، والتقويين الذين يعتقدون أن الموسيقى أقرب الأشياء إلى الكفر. وكانت فرقة المرتلين تشكو الفوضى، وباخ يستطيع إحالة الفوضى نظاماً في الأنغام لا في الرجال. فلما تلقى دعوة ليصبح عازف أرغن ومديراً للأوركسترا في بلاط فلهلم إرنست دوق ساكسيفيمار، توسل إلى رؤساءه أن يخلو سبيله (٤٣). وفي يونيو ١٧٠٨ انتقل إلى وظيفته الجديدة.
وكان يتلقى راتباً طيباً في فيمار -١٥٦ جولدينا في العام، رفعت إلى ٢٢٥ في ١٧١٣، واستطاع الآن أن يطعم الأفراخ التي كانت ماريا برباره تفقسها. ولم يقنع بحاله تماماً، لأنه كان خاضعاً لرئيس المرتلين في الكنيسة يوهان دريزي، ولكنه أفاد من صداقة يوهان جوتفريد فالتر، عازف الأرغن في كنيسة المدينة، ومؤلف أول قاموس موسيقي ألماني (١٧٣٢)، وملحن كورالات لا تقل جودة عن كورالات باخ. وبما اضطلع في دراسة الموسيقى الفرنسية والإيطالية باهتمام الآن بفضل فالتر المثقف. وقد أحب فريسكوبالدي وكوريللي، ولكنه افتتن جداً بكونشرتات الكمان التي وضعها فيفالدي، ونقل تسعة منها لآلات أخرى. وكان أحياناً يدخل شذرات مما نقل في ألحانه. ونستطيع أن نحس أثر فيفالدي في كونشرتات برندنبورج ولكنا نحس فيها أيضاً روحاً أعمق وفناً أغنى.
أما أهم واجباته في فيمار فعزف الأرغن في كنيسة القلعة (شلوسكيرشي). وهناك كان في متناوله أرغن صغير ولكنه مجهز تجهيزاً كاملا. وألف لهذه الآلة الكثير من أعظم قطعه الأرغنية: الباسا كاليا والفوجه في مقام C الصغير، وأفضل التوكاتات، ومعظم الاستهلالات والفوجات الكبيرة. وكتاب الأرغن الصغير (أورجلبوخلاين). وكانت شهرته إلى الآن عازف أرغن لا ملحناً. وقد تعجب المشاهدون، ومنهم ماتزون الناقد، لخفة حركته في استعمال المفاتيح، والدوسات، والضوابط، وصرح أحدهم بأن قدمي باخ "تطيران على لوحة الدواسة كأنما كان لهما جناحان"(٤٤)