في أساسه: فلاحون يدفعون الضرائب والفروض الإقطاعية، وطبقة وسطى ضعيفة، وطبقة نبلاء تطالب بإعفائها من الضرائب ثمناً لتزويد الملك بالعون الحزبي. وكانت رغبة فردريك وليم الأول في التحرر من الاعتماد على هؤلاء النبلاء بعض ما دعاه إلى تنظيم جيش دائم سيقرر التاريخ السياسي لأوربا الوسطى طوال نصف قرن.
كان فردريك وليم حاكماً شاذاً شذوذ ابنه الأشهر منه، الذي يرجع معظم الفضل في انتصاراته لجيش أبيه. ولم يوهب الوالد ولا الولد شخصية جذابة ساحرة، ولم يسترضي إحداهما العالم بجمال طلعته أو لطف ابتسامته، بل واجهه كلاهما بسحنة آمرة صارمة تسوس الجيوش: كان الأب قصيراً بديناً، له وجه متورد تحت قبعة مثلثة، وعينان تنفذان إلى صميم كل زيف وصوت يعلن عن إرادة صاحبه، وفكان على استعداد لطحن كل مقاومة. وإذ كان شهية طيبة دون أن يكون ذواق للطعام، فقد طرد طاهيه الفرنسي، واكل طعام الفلاحين؛ وكان يستهلك الكثير في وقت قصير دون احتفال يذكر لأنه كان في شغل عن هذا بعمله. ورأى نفسه سيد الدولة وخادمها، فعكف على تصريف شئون الحكم في أمانة وسخط، لأنه وجد فيها الكثير المعوج المنحرف، فأقسم أن يقومه بالقوة. واختصر إلى النصف عدد كبار الموظفين المغرورين الذين عطلت سلطاتهم المتضاربة عمل الحكومة، وباع ما ورثه من مجوهرات، وخيول، وأثاث فاخر، واختزل مظاهر بيت الملك إلى بساطة بيت المواطن من أهل المدن، وجمع الضرائب أينما أمكن تنميتها، وخلف لفردريك الثاني خزانة مملوءة إلى حد مغر.
وأراد من كل إنسان أن يكد ويكدح مثله، فأمر موظفي البلديات بأن يراقبوا أخلاق السكان، ويبشروا بالجد والاقتصاد، وأن يؤدبوا المتشردين بالأشغال الشاقة وبسط إشراف الدولة على التجارة والصناعة، ولكنهما وجدتا التشجيع في تحسن حال القنوات والطرق. وفي ١٧٢٢ أصدر الملك اليقظ أمراً يقرر التعليم الإلزامي ففرض على كل أبرشية أن تمول مدرسة، فما وافت سنة ١٧٥٠ حتى كانت بروسيا تتصدر أوربا كلها في التعليمين الابتدائي والثانوي (٢٣). وألقيت البذرة لعصر كانت وجيته.