بل على بروسيا. فمن يستطيع أن يوضح له هذا على أحسن وجه؟ لم لا يجرب فولتير، الذي بيده الآن دعوة من فردريك، والذي يتوق دائماً لأن يلعب دوراً في السياسة؟
وهكذا عاد فولتير داعية السلام يخترق ألمانيا في مركبة يثب داخلها ويتأرجح، وأنفق هناك ستة أسابيع (من ٣٠ أغسطس لى ١٢ أكتوبر ١٧٤٣) وهو يحاول إقناع فردريك بخوض الحرب. ولم يستطع الملك أن يلتزم بوعد، فصرف الفيلسوف خاوي الوفاض إلا من التحيات. ولكن تقدم حملات عام ١٧٤٤ أدخل في قلبه الخوف على سلامته وعلى دوام مكاسبه. ففي ١٥ أغسطس بدأ الحرب السيليزية الثانية.
وأراد أن يفتح بوهيميا. ولما كانت سكسونيا تقع بين برلين وبراغ، فقد سير جنوده مخترقاً درسدن، فأسخط بذلك أوغسطس الثالث الغائب عن وطنه. وما وافى الثاني من سبتمبر حتى كان رجاله الثمانون ألفاً يدقون أبواب براغ، وفي ١٦ سبتمبر استسلمت الحامية النمساوية. وبعد أن ترك فردريك خمسة آلاف جندي لاحتلال العاصمة البوهيمية، زحف جنوباً وهدد فيينا من جديد. وردت ماريا تريزا بتحدي هذا الخطر، فركبت على عجل إلى برسبورج وطلبت من الديت المجري تجريدة أخرى من الجند، فجمع لها ٤٤,٠٠٠، وبعد قليل زادهم ٣٠,٠٠٠ آخرين. وأمرت الأمير شارل بالكف عن مهاجمة الألزاس وقيادة الجيش النمساوي الرئيسي شرقاً لاعتراض زحف البروسيين. وتوقع فردريك أن الفرنسيين سيطاردون النمساويين، ولكنهم لم يفعلوا. فحاول أن يكره شارل على القتال، غير أن الأمير تجنبه، ولكنه دعم جهود المغيرين لقطع خطوط اتصال البروسيين بسليزيا وبرلين. وأعاد التاريخ نفسه؛ فقد وجد فردريك جيشه معزولا وسط سكان من الكاثوليك المتحمسين لمذهبهم المعادين له عداء فيه دهاء وبراعة. وكانت الجنود المجرية في طريقها للانضمام إلى الأمير شارل. ونمى إلى فردريك أن سكسونيا دخلت صراحة في صف النمسا. وخاف فردريك أن يعزل عن عاصمته وعن مصادر تموينه، وأمر الحامية البروسية بالتخلي عن براغ؛ وفي ١٣ ديسمبر قفل راجعاً إلى برلين، دون زهو الماضي، بعد أن تعلم أن الخادع قد يخدع.