أن شواطئ بحيرة زيورخ تعطي "فكرة جذابة مثالية عن أروع وأسمى حضارة"(٩).
أما "مدينة وجمهورية" برن فكانت أكبر وأقوى المقاطعات. فهي تضم ثلث سويسرا، وتتمتع بأغنى اقتصاد، وحكومتها محط الإعجاب عموماً لما تتميز به من تدبير وطفاية؛ وقد شبهها مونتسكيو بروما في أزهى عصور الجمهورية. أما وليم كوكس، وهو قسيس بريطاني ومؤرخ عالم، فقد وصف المدينة كما رآها في ١٦ سبتمبر ١٧٧٩ بهذه العبارات:
حين دخلت برن أدهشني ما تميزت به من نظافة وجمال. شوارعها الرئيسية عريضة طويلة، ليست مستقيمة، بل منعطفة انعطافاً هينا، وتكاد بيوتها تكون متماثلة، وهي مبنية بحجر تغلب عليه الشهبة ومن تحتها البواكي. ويجري وسط الشوارع نهير نشيط، ماؤه شديد الصفاء، في مجرى صخري، وهناك نافورات عديدة تضفي على المدينة جمالا يعدل نفعها لأهلها. ويكاد نهر آر يحيط بالمدينة، إذ يلتف مجراه فوق قاع صخري أوطأ كثيراً من مستوى الشوارع .. والريف المجاور غني بالزرع، فيه تنويع لطيف من تلال ومروج وغابات ومياه … وترسم على الأفق البعيد سلسلة شديدة الانحدار من جبال الألب الوعرة المكللة بالثلوج (١٠) ".
أما الخطأ الفادح الذي ارتكبه نبلاء برن ففي معاملتهم لمقاطعة فو. فهذا الفردوس الأرضي كان يمتد بحذاء الضفة السويسرية لبحيرة جنيف من أرباض مدينة جنيف حتى لوزان (العاصمة) ويصل شمالا إلى بحيرة نيوشاتل. على هذه الضفاف الجميلة والتلال الزاخرة بالكروم استمتع فولتير وجيبون بحياة غاية في التحضر، وشب روسو وتعذب، واختار بيت جولي الفاضل (في كلارنس، قرب فيفي). وقد خضع الإقليم لسيادة برن في ١٥٣٦، ففقد مواطنوه حقهم في تقلد المناصب الحكومية، واشتد تبرمهم بالحكم البعيد عنهم، وتكررت ثوراتهم دون جدوى.
وكانت المقاطعات شديدة الحرص على استقلالها الذاتي. كل منها تعتبر نفسها دولة ذات سيادة، لها الحرية في خوض الحرب أو إبرام الصلح