أما مستوى الأخلاق فلعله كان في سويسرا أرقى منه في أي بلد آخر باستثناء إسكندناوة، حيث أنتجت الظروف المماثلة نتائج مماثلة. فكانت أسرة الفلاح مثالاً للجد، والعفة، والوحدة، والتدبير. وكان في المدن بعض الفساد في السياسة وبيع المناصب، ولكن حتى في هذه الأماكن أعانت الخشونة التي ولدها المناخ القاسي، والإقليم الجبلي، والآداب البروتستنتية، على الاستقرار الخلقي. وكان اللباس محتشما سواء عند الأغنياء أو الفقراء. وظلت قوانين الإنفاق صارمة مرعية الجانب في سويسرا (١١).
أما الدين فكان نصف الحكم ونصف الصراع. فالحضور إلى الكنيسة إجباري، والمدن من الصغر بحيث يستحيل على الخوارج المتمردين أن يجدوا ملاذا في زحمة الجماهير. ويوم الأحد يوم تعبد لا هوادة فيه، ويروى إن الحانات في زيورخ كانت تهتز بالمزامير ترتل فيها في يوم الرب (١٢). ولكن المذهبين المتنافسين - الكلفني والكاثوليكي- ضربا أسوأ أمثلة السلوك، لأنهما أطلقا العنان للحقد والكراهية وقيدا العقل بالأغلال. وحظرت بعض المقاطعات الكاثوليكية كل عبارة إلا الكاثوليكية، وبعض المقاطعات البروتستنتية كل عبادة إلا البروتستنتية (١٣). وحرم القانون الخروج على الكنيسة الرسمية وتأليف مذاهب مستقلة. وفي لوسرن عذب ياكوب شمدلن في ١٧٤٧ ثم شنق لمحاولته تنظيم حركة "تقوية" مستقلة عن الكنيسة. وكان حلف يمين الالتزام بالكلفنية شرطاً لشغل المناصب السياسية أو الكنسية أو التعليمية في لمقاطعات البروتستنتية (١٤). وفرضت الكنيسة والدولة رقابة شديدة على المطبوعات. وفي مقاطعات الغابات تضافر فقر الفلاحين، والعواصف، وإنزلاقات الأرض، وانهيارات الثلوج، وآفات الزرع، والفيضانات، والرهبة من الجبال المحيطة بالسكان- كلها اجتمعت تولد فيهم خوفاً خرافياً من الأرواح الشريرة الساكنة في القمم المحملة والرياح المدومة، ولكي يقهر الفلاحون المكروبون أعداءهم الخارقين للطبيعة كانوا يتوسلون إلى قساوستهم أن يخرجوا الأرواح النجسة ويمنحوا قطعانهم البركة في مراسم دينية. وقد انتهى حرق المتهمين بالسحر في جنيف عام ١٦٥٢،