(وأكثر ميلاً في ظني) على توصيل السعادة لغيره. ومن ثم، فأياً كانت بداية هذا العالم، فإن نهايته ستكون أمجد وأسعد مما يستطيع خيالنا الآن أن يتصوره … (٣٧) وطوبى للذين يسهمون في نشر النور النقي لهذا الإنجيل الخالد (٣٨).
وفي رؤيا بريستلي أن بعض هذا التقدم المجيد سيكون سياسياً، وسيبنى على مبدأ إنساني بسيط "فتحقيق الخير والسعادة … لأغلبية الناس في أي دولة، هو المعيار الذي يجب أن يقرر به نهائياً كل شئ يمت إلى تلك الدولة (٣٩). ويقول بنتام أنه وجد هنا مصدراً من مصادر فلسفة المنفعة التي بشر بها. وعند بريستلي أن الحكومة العادلة الوحيدة هي التي تستهدف إسعاد مواطنيها. ومما يتفق تماماً مع المسيحية أن يطيح الشعب بالحكومة التي يتضح له ظلمها. وقد أجاب عن تحذير القديس بولس الذي قال فيه "إن السلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. " بقوله "للسبب نفسه ستكون سلاطين المستقبل مرتبة من الله أيضاً (٤٠).
وكان طبيعياً أن يتعاطف ثائر كهذا مع المستعمرات في احتجاجها على فرض الضرائب عليها دون أن يكون لها ممثلون في البرلمان البريطاني. وقد صفق للثورة الفرنسية بحرارة أشد حتى من حرارة تعاطفه مع المستعمرات. ولما ندد بها بيرك دافع عنها بريستلي فدمغه بيرك في البرلمان بالهرطقة. وكان بعض أصدقاء بريستلي يشاركونه آراءه المتطرفة. وفي ١٤ يوليو ١٧٩١ اجتمعت "جمعية برمنجهام الدستورية" في الفندق الملكي للاحتفال بالذكرى السنوية لسقوط الباستيل. ولم يحضر بريستلي الاحتفال. واحتشد جمع أمام الفندق واستمعوا إلى اتهامات زعمائهم للمهرطقين والخونة، ثم قذفوا نوافذ الفندق بالحجارة، ففر أصحاب المأدبة. وانطلق الجمع إلى بيت بريستلي فأحرقوه مبتهجين وأتوا على مختبره وأدواته ومكتبته ومخطوطاته. ثم ظلوا ثلاثة أيام يجوبون أنحاء برمنجهام وهم يقسمون أن يقتلوا جميع "الفلاسفة"؛ وراح المواطنون المروعون يخطون على زجاج نوافذهم عبارة "لا يوجد هنا فلاسفة". وفر بريستلي إلى ددلي، ثم لى لندن. ومنها وجه رسالة في ١٩ يوليو إلى أهل برمنجهام قال فيها: