كان المعنى الحرفي للجيوديسيا هو "تقسيم الأرض". وللقيام بهذه المهمة بدقة كان من الضروري معرفة شكل الكرة الأرضية. وكان هناك اتفاق عام في ١٧٠٠ على أن الأرض ليست تامة التكور بل لها شكل القطع الناقص -فهي مفرطحة بعض الشيء في نهايتيها. وذهب نيوتن إلى أنها مفرطحة عند القطبين، أما العلماء من آل كاسيني فذهبوا إلى أنها مفرطحة عند خط الاستواء. وللفصل في هذا الخلاف الدولي أوفدت أكاديمية علوم باريس بعثتين، ذهبت الأولى في ١٧٣٥ وعلى رأسها شارل دلاكوندامين، وبييريوجيه، ولوى جودان، إلى ما كان بيرو يومها (وهو الآن أكوادور) لقياس درجة عرض فلكية على منحني من الزوال قرب الاستواء (١). وقد وجدوا أن البعد بين درجة عرض فلكية والدرجة التي تليها، على الزوال المار فوق مكان رصدهما، هو ٣٦٢,٨٠٠ قدم. وفي ١٧٣٦ أوفدت بعثة كهذه إلى لابلاند وعلى رأسها نوبرنياس وكليرو، لقياس درجة عرض فلكية على منحني من الزوال عند مكان أقرب ما أمكن للدائرة القطبية. وقد قررت أن طول الدرجة هناك ٣٧٦. ١٠٠ قدم - أي أكثر قليلاً من تسعة وستين ميلاً. ودلت هذه الكشوف على أن طول درجة العرض الفلكية، يزداد زيادة طفيفة كلما تحرك الراصد من الاستواء إلى القطب؛ وقد فسرت الزيادة بأنها راجعة لتفرطح الأرض عند القطبين. وسلمت أكاديمية العلوم بأن نيوتن كان على حق. واتخذت المقاييس التي حصلت عليها البعثتان بعد ذلك أساساً لتحديد المتر، والنظام المتري، والزمن الفكي المضبوط لمختلف الأماكن على سطح الأرض.
وقد عزا بوجيه انحرافات ميزان الاستقامة التي لاحظها في أرصاد بعثة بيرو إلى القوة الجاذبية لجبل شيمبورازو القريب. وبقياس الانحراف قدر كثافة الجبل، وعلى هذا الأساس حاول حساب كثافة الأرض. وواصل
(١) العرض الفلكي هو البعد الزاوي بين الاستواء واتجاه ميزان للجاذبية في مكان معين. وزاول المكان هو الدائرة الكبرى التي تمر فوقه رأسا من القطب إلى القطب.