للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

آية في الطيبة، وقد تعلم بالقدوة خيراً مما يعلم بالعقيدة، ولكن كارل مال إلى الطب لأنه رأى فيه المهنة الوحيدة التي يستطيع فيها الجمع بين الاشتغال بالنبات وكسب قوته. وعليه ففي ١٧٢٧، حين كان في العشرين من عمره، قيد طالب طب في جامعة لوند. وبعد عام أرسل إلى أوبسالا حاملاً توصيات حارة من معلميه. ولم يستطع أن يتلقى الكثير من العون المادي من أبويه لأنه كان واحداً من خمسة أبناء لهما. وإذ أعجزه الفقر عن ترقيع حذائه فقد فرشه بالورق ليغطي ثقوبه ويتقي بعض البرد. أما وقد تهيأت له حوافز الدرس فإنه تقدم حثيثاً في دراسة النبات والطب. وفي ١٧٣١ عين محاضراً مساعداً في النبات ومدرساً خاصاً في بيت الأستاذ رودبيك، الذي كان أباً لأربعة وعشرين طفلا، فكتب يقول "إنني الآن بفضل الله أملك دخلا" (٧٩).

فلما قررت جمعية أوبسالا العلمية إيفاد بعثة لدراسة نباتات لابلاند، أختير لينيوس لرآستها. وبدأ هو ومساعدوه الشبان الرحلة في ١٢ مايو ١٧٣٢. وقد وصف رحيلهم بأسلوبه الزاهي بطبيعته فقال:

كان الجو مشرقاً لطيفاً، وأضفى نسيم عليل هب من الغرب على الهواء برودة منعشة … وكانت براعم أشجار البتولا قد بدأت تتفتح، والأوراق على معظم الشجر متوافرة، ولم يبق عارياً غير الدردار والبلوط. وكانت القبرة تصدح في العلا. وبعد أن قطعنا ميلا أو نحوه جئنا إلى مدخل غابة، وهناك فارقتنا القبرة، ولكن على قمة شجرة الصنوبر راح الشحرور يتدفق بأغنية حبه" (٨٠).

وهذا الوصف ينبئ بطبع لينيوس؛ فقد كان يقظاً أبداً بكل جوارحه لمشاهد الطبيعة، وأصواتها، وعبيرها؛ ولم يسلم قط بأي فرق بين علم النبات والشعر. وقد قاد جماعته فوق ١,٤٤٠ ميلا من لابلاند، خلال عشرات المخاطر والمشاق، ثم عاد بهم سالمين إلى أوبسالا في ١٠ سبتمبر.

وإذ كان لا يزال رقيق الحال، فقد حاول أن يكسب قوته بالتدريس في الجامعة، ولكن غريماً له أفلح في حظر محاضراته بدعوى أن لينيوس لم يكمل بعد دراسته الطبية أو ينال درجته الجامعية. وكان كارل في هذه