ولكن المجلدين اللذين تناولا التاريخ جديران بتحية خاصة لأنهما اشتملا على التاريخ الأفكار والعادات، والمذاهب الاقتصادية، والأخلاق، والفنون، والعلوم، والملاهي، والطرق-وهذا في مجموعة يؤلف سجلا للحضارة أو في مما سجله فولتير في كتابه "مقالة عن الأعراف". وفي ١٧٨٠، بناء على طلب الأمير أجناسي بوتوكي، وضع كتاباً في "المنطق" لمدارس لتوانا. وكان هذا أيضاً كتاباً فذاً في بابه. وفي تلك السنة مات مؤلفه.
ودام تأثير كوندياك قرناً، فتجلى عام ١٨٧٠ في كتاب تين "في الذكاء" وكانت سيكولوجية كوندياك أساساً في النظام التعليمي الذي وضعه المؤتمر الوطني الذي حكم فرنسا من ١٧٩٢ إلى ١٧٩٥. وقد اعترف له بفضل السبق مشرحون مثل فيك-دازير، وكيميائيون مثل لافوازييه، وفلكيون مثل لابلاس، وأحيائيون مثل لامارك، وأطباء عقليون مثل بينيل، وسيكولوجيون مثل بونيه وكاباني. وقد وصف بيير جان جورج كاباتي الدماغ في ١٧٩٦ بأنه "عضو خاص وظيفته الهامة أن ينتج الفكر كما أن للمعدة وظيفة خاصة هي مواصلة عملية الهضم، والكبد وظيفته هي ترشيح الصفراء"(١٣٦). وقد تجاهل "الفلاسفة" الذين أحاطوا بكوندياك تصريحاته بالإيمان بالله، وحرية الإرادة، والروح الخالدة غير المادية، وزعموا أن فلسفة طبيعية، نصف مادية، مؤمنة بمذهب اللذة، كانت النتيجة لرده المعرفة كلها إلى الإحساس، والبواعث كلها إلى اللذة والألم. وقد خلص روسو وهلفتيوس إلى أنه ما دام ذهن الإنسان عند مولده عبارة عن قدرة على الاستقبال لا أكثر، إذن ففي استطاعته التعليم أن يصوغ الذكاء والخلق دون نظر إلى الفروق الوراثية في القدرة العقلية. هذا كان الأساس السيكولوجي لكثير من الفلسفات السياسية المتطرفة.
ولم يأت الانتفاض على السيكولوجية المادية في فرنسا إلا بعد أن قلم نابليون أظافر الثورة ووقع اتفاقية ١٨٠١ مع الكنيسة (الكونكوردا). وقد بكر هذا الانتفاض في ألمانيا، حيث كان التقليد المضاد للمذهب الحسي (وهو التقليد الموروث عن لايبنتس) لا يزال قوياً وهاجم رجال كيوهان نيكولاوس تيتنز الأستاذ بجامعة روستوك، مدرسة كوندياك زاعماً أن