للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلها تكونت خلال قرون من التجربة والخطأ، ولم تتقبل التقاليد والجمود التحسينات التي اقترحتها التجارب المعملية إلا على مضض. ولم يفلح العلم في التعجيل بالثورة الصناعية إلا في نهاية هذا العصر. وحتى مع هذا البطء فإن المراحل الأولى لتلك الثورة دانت ديناً كبيراً للأبحاث الكيميائية على الأصباغ؛ فقد أرسى برتولليه (١٧٨٨) استعمال الكلورين في تبييض المنسوجات، وأدخل جيمس هتن ونيكولا ليلان تصنيع الصودا وملح النشادر. وشاركت دراسة بوبل وماريوت للغازات، ودراسة بلاك للحرارة، في تطوير الآلة البخارية-الذي كان أكبر الفضل فيه على أية حال للميكانيكيين المهتمين بالأمر آنئذ. وبتقدم القرن نمت علاقة أوثق بين الرجال العمليين الذين ينشدون الإنتاج، والعلماء الذين ينشدون الحقيقة. وأوفدت أكاديمية باريس للعلوم باحثين إلى الحقول، والمصانع، والورش، وأصدرت عشرين مجلداً في "أوصاف الفنون والصنائع" (١٧٦١ - ٨١). ولقاء هذا بدأت الصناعات الوليدة تلجأ إلى العلم طلباً للمعلومات والتجارب؛ وهكذا اختزل كولومب جهد العوارض إلى صيغ يعتمد عليها، وحفزت مشكلات الآلة البخارية العلم إلى أبحاث جديدة في العلاقة بين القوة والحرارة. وقد قدر لهذه العلاقات في القرن التاسع عشر أن تغير العالم الاقتصادي والفيزيائي.

أما الأثر الأكبر للعلم فكان بالطبع على الفلسفة، ذلك أن الفلسفة، وهي البحث عن الحكمة، لا بد أن تقوم على العلم، وهو البحث عن المعرفة. وقد بدا في كل خطوة أن العلم يزيد العالم تعقيداً واتساعاً، وكان لا بد من تكوين منظرات جديدة. ولم يكن بالتكيف اليسير ذلك الذي كان على العقل البشري أن يتكيفه بعد أن اكتشف أن الإنسان ليس مركز الكون، بل ذرة ولحظة في اتساعات الفضاء والزمان غير المحدودة والمحيرة؛ ولم يتم ذلك التكيف إلى الآن. وباستجابة متعالية، قديمة قدم كوبرنيف، كاد الإنسان يغلبه الغرور بعظمة كشفه عن ضآلته، وحجبت خيلاء العلم تواضع الفلسفة، وتخيل الناس عوالم مثالية جديدة بلغة العلم، وقدمت فكرة التقدم ديناً جديداً للنفس الحديثة.