بل إن أدباء الصين لا يزالون إلى هذا اليوم يعدون خير الروايات القصصية مجرد تسلية شعبية غير خليقة بأن تذكر في تاريخ الآداب الصينية. لكن سكان المدن الصينية السذج لا يبالون بهذه الفروق، ويتركون أغاني بو- جوي، ولي بو في غير تحرج، ويفضلون عليها الروايات الغرامية التي لا حصر لها، والتي يكتبها مؤلفون يخفون عن القراء أسماءهم، وينشرونها باللهجات الشعبية التي تكتب بها المسرحيات. وهي تصوّر للصينيين في وضوح ما في ماضيهم من أحداث روائية رائعة؛ ذلك أن جميع الروايات الصينية الشهيرة، إلا القليل النادر منها، روايات تاريخية، وقلّ أن يوجد فيها ما هو واقعي النزعة، وأقلّ منه ما يحاول فيه مؤلفوه ذلك القرب من التحليل النفساني أو الاجتماعي الذي يرقى "بأخوة كرمزوف" The Brothers Karamazov و "الجبل المسحور" The Magic Mountain و "الحرب والسلم" War and Peace و "البائسون" Les Miserables إلى مستوى الأدب الرفيع.
ومن أقدم الروايات الصينية رواية شوي هو جوان أو "قصة حواشي الماء" التي ألفها رهط من الكُتاّب في القرن الرابع (١).
ومن أكبر هذه الروايات حجماً رواية "هونج لومن" أو حلم الغرفة الحمراء (حوالي ١٦٥٠ م) وهي رواية في أربعة وعشرين مجلداً؛ ومن أحسنها كلها رواية لياو جاي جبىْ أو قصص عجيبة (حوالي ١٦٦٠ م) وهي التي يجلها الصينيون لجمال أسلوبها وأناقة عبارتها. وأشهرها كلها رواية ساق جورجي ياق إي أو "رواية الممالك الثلاث" وهي رواية منمقة الأسلوب في ألف صفحة ومائتين كتبها لو جوان - جونج (١٢٦٠ - ١٢٤١ م) في وصف الحرب
(١) لقد ترجمت مسز بيرل بك Mrs. Pearl Buck هذه الرواية ترجمة جيدة وسمتها "كل الناس أخوة All Men are Brothers" وطبعت في نيويورك سنة ١٩٣٣.