وكان ديدرو، مثل فولتير، في أولى مراحل تطوره ونموه، ربوبياً. أن شواهد تصميم العالم وتكوينه ترغم على الإيمان برب ذكي بارع. ويمكن أن يفسر المذهب الآلي المادة والحركة، ولكنه لا يستطيع تفسير الحياة والفكر. أن ملحد المستقبل تحدى الملحدين أن يفسروا عجائب حياة الحشرات التي كشفت عنها حديثاً أبحاث ربومير وبونيه:
هل رأيتم في تفكير أي إنسان وأعماله، ذكاءاً ونظاماً وحكمة واتساقاً أكثر من تركيب الحشرة؟ أليست بصمات الإله واضحة في عين البعوضة الصغيرة وضوح موهبة التفكير في أعمال نيوتن العظيم؟ … فكروا فقط في أني لم أبرز لكم إلا جناح الفراشة وعين البعوضة. على حين كان يمكن أن أسحقكم بثقل الكون (٥).
ومهما يكن من أمر فأن ديدرو نبذ في ازدراء الإله الذي جاء به الكتاب المقدس حيث بدا له هذا الرب جباراً قاسياً غاية الجبروت والقسوة، واتهم الكنيسة التي نشرت هذا المفهوم بأنها منبع الجهل والتعصب والاضطهاد. وهل ثمة شيء أشد حمقاً وسخفاً من أن يجعل إلهاً يموت على الصليب ليهدئ من غضب الله على رجل وامرأة ماتا منذ أربعة آلاف سنة. ثم -كما يقول بعض رجال اللاهوت "إذا لعنت وعذبت ألف نفس مقابل خلاص نفس واحدة، أليس الشيطان هو الرابح في هذه القضية، دون أن يسلم الرب أبنه إلى الموت؟ ولم يعترف ديدرو بأي وحي إلهي سوى الطبيعة نفسها. وناشد قراءه أن يرتفعوا إلى مفهوم جديد بالكون الذي كشف عنه العلم. وطالب "بتكبير الإله وتحريره" (٦).
وأمر برلمان باريس بإحراق الكتاب بمعرفة المدعي العام بتهمة "تقديمه إلى الأذهان القلقة المضطربة الجريئة أشد الأفكار سخفاً وأجراماً، والتي من شأنها إفساد الطبيعة البشرية، وبوضعه كل الأديان في مستوى واحد تقريباً، في ارتياب مصطنع، حتى ينتهي إلى عدم الاعتراف بها جميعاً (٧) ولما كان إحراق الكتاب الصغير (٧ يوليو ١٧٤٦) بمثابة إعلان عنه، فوجد له عدداً غير متوقع من القراء، وترجم إلى