أمام الشرطة، ثم ديدرو رب أسرة، الذي لو تهيأت له سيدة قادرة على فهم كلامه وأفكاره، لأمكن أن يكون هو أيضاً. أحياناً، زوجأصالحأ وأباً شغوفاً بأبنائه، وحيواناً شبه مستأنس، ورجلاً يقدر بعض التقدير المالى والأخلاق والقانون.
إن هذه الشخصية المزدوجة، "دكتور جيكل ومستر هايد"، أنتجت فيما بين عامي ١٧٧٠ - ١٧٧٢. محاورتين توضحان تذبذب آرائه. ففي "حوار بين أب وأبنائه" يقدم صورة جميلة لأبيه وهو يشرح في رفق "خطر أولئك الذين يتعالون على القانون أو يضعون أنفسهم فوقه" ولكنه بعد ذلك بعامين كتب أكثر أعماله تطرفاً. وكان لويس أنطوان بوجينفيل قد نشر لتوه (١٧٧٢) كتابه "رحلة حول العالم" عدد فيه خبراته وتجاربه في هايتي وغيرها من جزر المحيط الهادي الجنوبي ووقع بصر ديدرو على بعض أجزاء من هذا الكتاب تبين تفوق الحياة البدائية في بعض النواحي على المدنية. ورغبة من ديدرو في إبراز نواحي التفوق والسمو هذه، كتب في ١٧٧٢ بما هو معهود فيه من حيوية وخيال وتميز وشغف، "ملحق لرحلة بوجينفيل"، وهو كتاب لم ير النور إلا في ١٧٩٦. وأختار ديدرو رجلاً عجوزاً من أهالي تاهيتي أورد بوجنيفيل ذكره، وتخيل أنه يلقي خطاباً يودع فيه أمير البحر لدى الفرنسيين الراحلين عن الجزيرة:"وأنت يا زعيم عصابة اللصوص المطاع الذين يمتثلون لأوامرك، إغرب بسفينتك عن شواطئنا. فنحن أبرياء سعداء، وكل ما تستطيع أن تفعل لنا هو أن تفسد علينا سعادتنا. إننا ننهج نهج الفكرة النقية، ولكنك تسعى لمحو أساس هذه الفطرة من نفوسنا. وهنا كل الأشياء ملك لكل الناس، أما أنت فتبشر بتفريق غريب بين ما هو "ملك لك" وما هو "ملك لي" وكل بناتنا وزوجاتنا كانت لنا جميعاً على الشيوع، ولكنكم شاركتمونا هذه الميزة ودفعتم بهن إلى لوثات من الجنون، ولم يكن لهن بها عهد من قبل .. وتناحرتم وقتل بعضكم بعضاً من أجلهن، وعدن مضرجات بدمائكم … نحن أحرار، ولكن تأمل كيف أنكم نقشتم