الأحاسيس وكل الإحساس مادي. وكل النفس قوة في المادة. أن كل ظواهر الطب والتاريخ الطبيعي تثبت بوضوح أن هذه القوة … تبدأ بتكوين أعضاء الجسم، وتبقى ما بقيت ثم تنقضي هذه النفس بانحلال هذه الأعضاء وفنائها (٨). وللحيوانات أنفس. ويسموا الإنسان على الحيوان بفضل نموه واستواء قامته حيث تتحول قوائمه الأمامية تدريجياً إلى أيد قادرة على الإمساك بالأشياء ومعالجتها.
وحيث بدأ هلفشيوس بجون لوك فأنه يتابع المسيرة مع هويز. فكل عمل رغبة تستجيب لأحاسيس حالية أو مبتعثة. والرغبة هي تذكر اللذة التي اقترنت بأحاسيس معينة، والأفعال رغبة ملحة، وتختلف في شدتها تبعاً للألم أو اللذة المتذكرة والمتوقعة. والانفعالات تؤدي بنا غالباً إلى الخطأ، لأنها تركيز انتباهنا على ناحية معينة من شيء أو موقف بعينه ولا تهيئ لنا المجال لتدبيره من جميع جوانبه (٩). والذكاء بهذا المعنى هو تأخر رد الفعل ليهيئ إدراكاً أوسع واستجابة أوفى. وعلى الرغم من ذلك فالانفعالات بالنسبة للخلق هي الحركة بالنسبة للمادة. وهي تزودنا بالدافع حتى الدافع إلى المعرفة. فالإنجاز العقل لأي شخص يختلف تبعاً لحدة انفعالاته فالإنسان العبقري إنسان ذو انفعالات قوية والإنسان الغبي مجرد منها (١٠). والانفعال الأساسي هو حب القوة والسيطرة، وهو أساسي لأنه يزيد في قدرتنا على تحقيق رغباتنا.
وعند هذا الحد استحق عمل هلفشيوس ما وصفه به فولتير من أنه "عجة بيض" أي خليط من الأفكار التي كانت سائدة منذ عهد طويل في دنيا الفلسفة، ولكنه انطلق الآن إلى أكثر آرائه ومسائله امتيازاً. فحيث أن كل الأفكار تنبع من خبرات الفرد وتجاربه فإن التباين بين أفكار الأفراد والأمم وخلقها يعتمد على الفوارق بين بيئة الفرد أو الأمة. ولدى كل الناس عند مولدهم استعداد متساوٍ للفهم والحكم وليس، وهناك تفوق فطري أو طبيعي في الذهن. لقد وهب الجميع قوة وقدرة على الانتباه كافيتين