"فإذا فرض ناسك أو راهب على نفسه قانون الصمت وجلد نفسه بالسوط في كل ليلة وعاش على الحبوب والماء وافترش الأرض على القش فأنه يظن أنه بفضل النحول والهزال سيحظى بمنزلة رفيعة في الجنة (٤٣). وإذا لم يحكم المجتمع المحلي على أي تصرف أو فعل وحشي قاس بالإدانة ويستنكره فإن هؤلاء الرجال المقدسين سيرتكبونه دون خجل أو لجوء إلى القانون، مثال ذلك إحراقهم المهرطقين (٤٤). إن الصداقة نفسها ضرب من الأنانية: فهي تبادل خدمات حتى ولو كانت مجرد تأييد، وحيثما انقطع مثل هذا التبادل تقطعت أواصر هذه الصداقة، وليس ثمة شيء استثنائي أو غير مألوف أكثر من الصداقة التي لا تدوم طويلاً (٤٥)، وجوهر الحقيقة إننا دائماً نحن الذين نحب أنفسنا في غيرنا (٣٦).
وحين هبط لاروشفوكول بالمثل بمختلف الدوافع إلى حب الذات فأنه شعر بالأسى باعتبار أن حب الذات هذا رذيلة. ولكن هلفشيوس ارتضاه على اعتباره فضيلة، على أنه سهى للمحافظة على الذات. وعلى أية حال فتلك حقيقة عامة من حقائق الحياة "فالغضب أو الشعور بالضيق من الأفعال القائمة على حب الذات وهو مثل الشكوى من زخات المطر في الربيع أو من حر الصيف … أو صقيع الشتاء" (٤٧). ومن منطلق عمومية حب الذات تماماً يقترح هلفشيوس إقامة أخلاقيات "علمية". فالتعليم والتشريع يمكن أن يشكلا الأخلاق والعادات إلى حد الإزعاج والشعور بالقلق والضيق بالأفعال أو التصرفات غير الاجتماعية، والشعور باللذة والسرور في الفضيلة-أي في الأفعال التي تفيد الجماعة وتسدي إليها خيراً. ويجدر بالفيلسوف أن يدرس السلوك الإنساني والحاجة الاجتماعية بقصد اكتشاف أي شكل من أشكال السلوك أكثر نفعاً وخيراً لأكبر عدد من الناس، ويحاول مع المعلمين والمشرعين التماس المغريات والمحاذير التي يمكن مع الاستعانة بحب الذات أن تشجع السلوك الاجتماعي، وأية فوائد تعود على الجنس البشري من مثل هذا الاتفاق بين