احضروه إلى فرنسا من أمريكا، حيرته العادات الأوربية والاهوت المسيحي. وفي ١٧٦٩ خرج كتيب "صيحة الأمم" وهو نداء إلى أوربا الكاثوليكية لتخلع نيران سلطان الباباوات المزعوم على الملوك والدول. وتابع الحملة نفس العام بكتاب جاد مدروس ولكنه مثير هو "تاريخ البرلمان" متهماً هذه الهيئة بأنها مؤامرة من جانب الجانسيين الرجعيين. وفي ١٧٧٠ - ١٧٧٢ أصدر تسعة مجلدات تحت عنوان أسئلة عن المووعة" وهي خليط من مقالات تشكل موسوعة رجل واحد. وهو أشد عداء للكاثوليكية وأقسى في هجومه عليها من موجز القاموس الذي أسلفنا ذكره.
إن فولتير أخفى منشوراته عادة تحت أسماء أو عنوانات خداعة مضللة: "محاضرات" في تفسير العهد القديم، رسالة إلى الرومان، عظات الأب الجليل جاك روست، محاضرات وعظات الكاهن بورن، نصائح لأرباب الأسر. وساورت جمهور فرنسا المتعلم الظنون بأن فولتير هو الملف، لأنه لم يكن يستطيع أن خفي أسلوبه، ولكن لم يثبت أحد ذلك، وباتت هذه اللعبة المثيرة ديث باريس وجنيف، وتردد صداها في لندن وأمستردام وبرلين، بل وفي فيينا، ولم يحدث في التاريخ أن لعب كاتب لعبة النمضية (أو الاخفاء) مع اعداء أقوياء مثل هؤلاء، وبمثل هذا النجاح. وحاول مائة من الخصوم أن يردوا عليه ولكنه قارعهم الحجة بالحجة جميعاً، وحارب في قسوة، وأحياناً في خشونة وغلظة، كما كا أحياناً مجحفاً غير منصف، وتلك هي الحرب. وكان مستمتعاً فرحاً بها، وحمى وطيس المعركة فنسي أن يموت.
والحق أن تفاؤلاً غريباً غلب على فولتير، الذي بدأ بعد "زلزال لسبونة" و"كانديد" وكأنه ينصح بالاستسلام لشرور الحياة التي لا سبيل لقهرها أو التغلب عليها، وراوده حلم فلسفة منتصرة على كنيسة متغلغلة في حاجيات الناس. وإذا كان اثنا عشر من صيادي السمك الأميين قد أقاموا السيحية، قلم يستطيع اثنا عشر فيلسوفاً أن يقضوا على تعاليمها وعلى محاكم