كتاب قصة الحضارة

روسو جواب الآفاق - ٥ - هل الحضارة مرض؟ - ج: 39 - ص: 40

لهدم الآداب والعلوم التي كان ديدرو يستعد للإشادة بها في "الموسوعة" أو القاموس العقلاني للعلوم والآداب والحرف: (١٧٥١ وما يليها) وكتبت "المقال" بطريقة فريدة جداً … فكرست له ساعات الليل التي جفاني فيها النوم، وكنت أتأمل في فراشي وجفناي مغمضتان، وأدير في ذهني المرة بعد المرة عباراتي بعناية واهتمام لا يصدقان .. وحالما فرغت من المقال دفعته لديدرو فرضي عنه، وأشار ببعض تصويبات يجب في رأييه إجراؤها … وأرسلت المقال دون أن أخبر بأمره أحداً غيره، اللهم إلا جريم فيما أذكر (٦٥) ". أما أكاديمية ديجون فقد توجت مقاله بالجائزة الأولى (٢٣ أغسطس ١٧٤٠) -وهي ميدالية ذهبية وثلاثمائة فرنك، واتخذ ديدرو الإجراءات بما عهد به من حماسة، لنشر المقال الذي سمي "مقالاً في الآداب والفنون والعلوم" وسرعان ما كتب إلى المؤلف يبلغه النبأ إن مقالك ساحر إلى حد فاق كل تصور، فلم يكن لهذا النجاح ضريب على الإطلاق (٦٦)، وكأني بباريس وقد أدركت أنه هاهنا، في قلب حركة التنوير تماماً، قام رجل يتحدى عصر العقل، ويتحداه بصوت سيصغي إليه العالم.

أما المقال فقد بدا في استهلاله مشيداً بانتصارات عصره:

"أنه لمشهد جليل جميل أن نرى الإنسان يرفع نفسه-إن جاز هذا التعبير-من العدم بجهوده هو؛ فيبدد بنور العقل كل السحب الكثيفة التي اكتنفته بالطبعة فسما فوق نفسه، وحلق بالفكر إلى أجواء الفضاء،