للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النظام والرخاء الطويل الذي عم البلاد تلك الأسرة قد أمد الفنون كلها بحاجتها من الغذاء، وخلع على الحياة الصينية جمالا وزينة لم تستمتع بمثلهما من قبل. ولقد بلغ الصناع الصينيون في صناعة النسيج والمعادن في عهد أسرة سونج وما بعدها درجة من الإتقان والكمال لم يفقهم فيها أحد قبلهم، وبزوا جميع منافسيهم في كافة أنحاء العالم في اليشب وغيره من الأحجار الصلبة، ولم يتفوق عليهم في نحت الخشب والنقش على العاج إلا من أخذوا عنهم هذه الصناعة من اليابانيين (٢٧). لقد كان أثاث المنازل يصنع على أشكال متعددة مختلفة، فذة في صورتها ولكنها غير مريحة لصاحبها؛ وكان صناع الأثاث، الذين تكفيهم صفحة من الأرز يوما كاملا، يخرجون منه تحفة فنية صغيرة إثر تحفة.

وكان الفنان ذو اليد الصناع الذي يخرج هذه الروائع الفنية الدقيقة يزين بها داره ويتخذها بديلا من الأثاث الغالي الثمن ومن أسباب المتعة المنزلية، وكانت تبعث في نفس مالكها بهجة لا يدركها في بلاد الغرب إلا الخبراء الأخصائيون.

أما الحلي فلم تكن موفورة العدد ولكنها كانت بديعة القطع، وكان الرجال والنساء يبردون وجوههم بمراوح مزخرفة من الريش والخيزران، أو الورق أو الحرير الملوّن، بل إن المتسولين أنفسهم لم تكن تنقصهم المراوح الجميلة وهم يمارسون حرفتهم التليدة.

ونشأ فن الطلاء باللك في الصين، وبلغ ذروة الكمال في اليابان. واللك في بلاد الشرق الأقصى نتاج طبيعي لشجرة (١) أصلها من أشجار الصين، ولكنها الآن تزرع بكثرة في بلاد اليابان، ويؤخذ عصيرها من جذعها وغصونها، ثم


(١) اسمها العلمي Rias Vernicifere. واللك مشتقة من الأصل الفرنسي لكر ومعناها اللثي، والكلمة الفرنسية نفسها مشتقة من الكلمة اللاتينية Lac ومعناها اللبن واللثي التي اخترناها لترجمة كلمة Resin الإنجليزية معناها كما ورد في القاموس: "شيء يسقط من شجر السمر وما رق من العلوك حتى يسيل" (المترجم)