إلى ذلك المستوى الجليل من الفخامة وقوة الإرادة؛ فأصبح عاجزاً عن البت في الأمور، وترك مهمة اتخاذ القرارات لوزرائه مغتبطاً. وأتاحت له قراءاته وهو غلام، وذاكرته القوية، بعض الإلمام بالتاريخ، واكتسب مع الوقت معرفة لا يستهان بها بالشؤون الأوربية؛ واحتفظ سنوات كثيرة بمراسلاته الدبلوماسية السرية. كان ذكياً في تراخٍ وفتور، يحكم حكماً شديداً ولا رحمة فيه على أخلاق من أحاط به من الرجال والنساء؛ في وسعه أن يجاري خير العقول في بلاطه حديثاً ونكته، ولكن يبدو أنه قبل حتى أسخف العقائد اللاهوتية التي تبثها فيه فلوري وهرصي. وبات الدين عنده أشبه بالحمى المتقطعة إذ راح يتذبذب بين التقوى والفجور. فكان يعاني من خوف الموت والجحيم، ولكنه يقامر على غفران خطاياه وهو في النزع الأخير. وقد أوقف اضطهاد الجانسنيين، وإذ نستحضر تاريخ تلك الحقبة نتبين أن جماعة الفلاسفة استمتعوا في حكمه بين الحين والحين بقدر كبير من التسامح.
كان يقسو أحياناً، ولكنه في الأكثر رحيم. تعلمت بومبادور ودورباري أن تحباه من أجل شخصه كما أحبتاه من أجل السلطة التي منحهما إياها. وكانت برودة عاطفته وتحفظه جزءً من حياته وانعدام ثقته بنفسه، ولكن وراء ذلك التحفظ عناصر من الحنان والرقة أعرب عنها خاصة في محبته لبناته، وقد أحببنه أباً منحهن كل شيء إلا القدوة الحسنة. وكان في سلوكه عموماً تلطف وكياسة ولكنه كان قاسي الفؤاد أحياناً، ويتكلم في هدوء مفرط على أمراض أفراد حاشيته أو موتهم الوشيك. وقد نسي تماماً أن يسلك مسلك الرجل المهذب وهو يقيل فجأة دارجانسون، وموريا، وشوازيل؛ ولكن هذا أيضاً ربما كان نتيجة عدم ثقته بنفسه. فقد شق عليه أن يقول لا لإنسان في وجهه. ومع ذلك كان قادراً على أن يواجه الخطر بشجاعة كما كان يفعل في الصيد أو في فونتنوا.
وكان على ظهوره بمظهر الوقار أمام الناس لطيفاً حلو العشرة بين أخصائه، يعد لهم القهوة بيديه الكريمتين. وقد راعى قواعد السلوك المعقدة التي أرساها لويس الرابع عشر للملكية ولكنه أنكر الشكلية التي فرضتها