للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومن العسير التكهن بالموضع الذي كان فيه هذا المحيا. فعيناني غائرتان ثلاث بوصات، وخداي من الرق البالي الملصق لصقاً سيئاً على عظام لا ترتكز على شيء، وقد فقدت الأسنان القليلة التي كانت لي. وليس كلامي هذا من قبيل التمنع، ولكنه الصدق الخالص. ولم ينحت قط تمثال لرجل مسكين في حالتي هذه، ولعل مسيو بيجال سيعتقد أنكم تهزؤون به، أما أنا فينبغي أن يكون عندي من حب الذات ما لا أجرؤ معه أبداً على الظهور في حضرته. ول شاء أن يضع حداً لهذه المهمة الغريبة لنصحته بأن يأخذ نموذجه، بتغيرات طفيفة، ومن تمثالي الصغير المصنوع من صيني سيفر (٣٤) ".

وضاعف بيجال المشكلة باقتراحه أن يصنع تمثالاً عارياً لذلك العفريت الأشهر، ولكنهم ثنوه عن هذا الرأي. وقصد فرنيه في يونيو، وجلس إليه الفيلسوف الخجول ثمانية أيام، في فترات متقطعة، ولكن في تململ شديد-يملي على سكرتير ويومئ للإيماءات وينفخ حبات البسلا على أشياء شتى في الهجرة-حتى قاربت أعصاب المثال على الانهيار (٤٤). فلما عاد إلى باريس بقالب للتمثال عكف على مهمته شهرين، ثم أعلن النتيجة في ٤ سبتمبر، وأقبل نصف الصفوة الممتازة يعجبون ويبتسمون. والتمثال يقوم الآن في دهليز مكتبة المعهد.

ولم يكن من مزاحم لبيجال في زعامة النحت في هذه الحقبة غير إيتيين موريس فلاكونيه، ويروي ديدرو قصة لطيفة عن خصومتهما، ذلك أن فلاكونيه الذي كان يصغر غريمه بعامين تجنب أول الأمر منافسته مباشرة، فكان يصنع التمثال من الصيني، وكان من أبهج هذه التماثيل تمثال "بجماليون" الذي صنعه دورو على تصميم فلاكونيل، وفيه تبدو دهشة النحات الإغريقي إذ ينحني تمثاله "غلاطية" المرمري للتحدث أليه. واستطاع ذاك التمثال أن يرمز إلى حقيقة أوشك الناس أن ينسوها، وهي أنه ما لم يتحدث إلينا العمل الفني فهو ليس بفن. فلما أطلع بيجال على هذه القطعة من الطين وقد تحولت إلى رمز خالد فاه بالثناء التقليدي يثني به فنان عظيم على آخر: "وددت لو كنت صانعه! " ولكن فلاكونيه لم يرد التحية بمثلها تماماً حين