وزعمت باريس حيناً أن جولي خليلته. وأيدت المظاهر الزعم. فقد كان دالامبير يتناول طعامه معها، ويكتب لها الرسائل، ويدير لها أعمالها، ويستثمر لها مدخراتها، ويجمع لها إيرادها. وكانا أمام الناس يظهران معاً على الدوام؛ وما دار بخلد مضيف أن يدعو الواحد دون صاحبه. ولكن شيئاً فشيئاً بدأ القوم-حتى المتقولون منهم-يتبينون أن جولى لا هي بالخليلة ولا الزوجة ولا العاشقة لدالامبير، إنما هي مجرد أخت وصديقة. ويلوح أنها لم تدرك قط أن حبه لها كان كاملاً وإن لم يستطع أن يعرب عنه، وتقبلت السيدتان جوفران ونكير-وكلتاهما مضرب المثل في الفضيلة-هذه العلاقة بين دالامبير وجولي على أنها حب أفلاطوني. ودعت صاحبة الصالون العجوز كليهما لندوتيها.
وكان امتحاناً قاسياً لعطف الأم الذي أبدته مدام جوفران نحو الآنسة دليسبيناس ألا يصدر عنها أي احتجاج حين افتتحت هذه صالوناً خاصاً بها ذلك أن جولي ودالامبير كانا قد صنعا من الأصدقاء عدداً بلغ من الكثرة رجالاً ونساءً، وكلهم تقريباً ذائع الصيت أو رفيع المرتبة. وكان دالامبير يقود الحديث، وجولي تضفي على الندوة كل مفاتن الأنوثة ودفء الضيافة. ولم يقدم فيها غداء أو عشاء، ولكنها اشتهرت بأنها أعظم صالونات باريس حفزاً للعقول، اختلف إليها طورجو، ولموميني دبريين، اللذين سيرقيان سريعاً إلى مكان مرموق في الحكومة؛ ونبلاء مثل شاستللوكس وكوندرو رسيه، وأحبار مثل بوامون وبواجيلان، وشكاكون مثل هيوم وموريلليه، ومؤلفون مثل مابليه، وكوندياك، ومارمونيل، وسان-لامبير. حضروا أول الأمر ليروا دالامبير ويستمعوا إليه، ثم ليحظوا بتلك المهارة المتعاطفة التي كانت جولي تستدرج بها كل ضيف في ميدان تفوقه الخاص, ولم يحظر أي موضوع هنا، فكانت تناقش أدق مشكلات الدين أو الفلسفة أو السياسة، ولكن جولي-التي دربتها مدام جوفران على هذا الفن-عرفت كيف تهدئ من ثائرة الثائرين وترد النزاع نقاشاً. وكانت الرغبة في عدم الإساءة إلى المضيفة الرقيقة هي القانون غير المكتوب الذي بعث النظام في هذه الحرية. وفي ختام حكم لويس الخامس عشر كان صالون الآنسة دليسبيناس