جولي خلال ذلك، وشوقتها القصة تشويقاً أغراها بالمضي فيها حتى الرابعة صباحاً بينما الخادمة والجياد في انتظارها (٧٦). وقد عزا انتصاره إلى اللذة التي يجدها النساء في قراءة قصص الغرام، ولكن كان هناك أيضاً نساء مللن حياتهن خليلات، وتقن إلى أن يكن زوجات، وأن يكون لأطفالهن آباء. وتلقى روسو مئات الخطابات في نمورنسي يشكره فيها أصحابها على كتابه، وكثر عدد النساء اللائى عرضن عليه حبهن حتى انتهى به خياله إلى أنه "ما من امرأة في المجتمع الراقي لم أكن ألقى التوفيق في الاتصال بها لو حاولته (٧٧) ".
وكان من الطريف أن يكشف إنسان عن سريرته كشفاً كاملاً كما فعل روسو خلال سان-برو وجولي، وليس هناك أكثر طرافة وإمتاعاً من نفس إنسان تتجرد أمام الناظرين ولو تجريداً جزئياً أو لا شعورياً. تقول مدام دستال "هنا مزقت كل أقنعة القلب (٧٨) ". وبدأ الآن سلطان الأدب الذاتي، تلك السلسلة الطويلة الممتدة إلى زماننا، من إفشاءات الذات، من القلوب المحطمة في صفحات مطبوعة، من " النفوس الجميلة" التي تسبح في المأساة جهاراً نهاراً. وفشا بين الناس الإفصاح عن حرارة العاطفة، والإعراب عن الانفعال والشعور، لا في فرنسا وحدها بل في إنجلترا وألمانيا أيضاً. وبدأ يتلاشى الأسلوب الكلاسيكي، أسلوب ضبط النفس، والنظام، والعقل، والشكل، وأوشكت دولة "الفلاسفة" أن تدول. لقد أصبح القرن الثامن عشر بعد عام ١٧٦٠ ملكاً لروسو (٧٩).