متوقعة. وقد نشرت "الاعترافات" و "الحوارات" و "أحلام جوال منفرد" بعد موته. وهكذا التزم أساساً يتعهد الجديد. ولا عجب أن يشعر في ١٧٦١ أنه قد أرهق ونضب، لأنه كان قد ألف في خمس سنوات ثلاثة أعمال كبرى، كان كل منها حدثاً في تاريخ الأفكار.
ومنذ عام ١٧٤٣ يوم كان سكرتيراً للسفير الفرنسي في البندقية، هدته ملاحظته لحكومة البندقية بالقياس إلى الحكومتين الجنيفية والفرنسية إلى تخطيط رسالة هامة في المؤسسات السياسية. وكان "المقالان" شرارتين بعثتهما تلك النار، ولكنهما كانا محاولتين متعجلتين لإثارة الانتباه بالمبالغة، ولم تنصف واحدة منهما فكره المتطور. وراح خلال ذلك يدرس أفلاطون، وجروتيوس، ولوك، وبوفندورف. ولم تكتمل قط الرائعة الأدبية التي حلم بها. فروسو لم يوهب الذهن المنظم، الإرادة الصابرة، والطبع الهادئ الذي يتطلبه مشروع كهذا يقتضيه الاستدلال العقلي لا الوجدان فقط، وإخفاء العاطفة لا إعلانها، وكان مثل هذا الإنكار للنفس فوق طاقته. لقد كان هجرانه للتأليف اعترافاً منه بالهزيمة. ولكنه أعطى العالم عام ١٧٦٢ قطعة رائعة من مخططه في ١٢٥ صفحة نشرت بأمستردام تحت عنوان "في العقد الاجتماعي، أو مبادئ القانون السياسي".
وكلنا يعرف الصيحة الجريئة التي استهل بها الفصل الأول "ولد الإنسان حراً وهو في كل مكان مكبل بالأغلال" وقد افتتح روسو كتابه بمبالغة مقصودة، لأنه عليم بأن للمنطق سلطاناً منوماً قوياً، وقد أصاب في ضربه على هذه النغمة العالية، لأن هذه العبارة أصبحت شعار قرن بأكمله. وافترض روسو هنا-شأنه في "المقالين"-وجود "حالة طبيعية" بدائية لم تكن فيها قوانين، واتهم الدولة القائمة بتدمير تلك الحرية، واقترح بديلاً عنها "إيجاد شكل من المجتمع يدافع عن شخص كل عضو فيه وعن متاعه ويحميهما بكل ما أوتي من قوة مجموعة، مجتمع يظل الإنسان فيه رغم اتحاده مع الجميع يطيع نفسه فقط، ويبقى حراً كما كان من قبل … تلك هي المعضلة الأساسية التي يقدم لها العقد الاجتماعي الحل (٣).