سياسية؛ على حين رفض أخلاقياتها لغلوها في المسالمة والدولية-على العكس تماماً ومما درج عليه الفلاسفة من الاحتفاظ بأخلاقيات المسيحية مع رفض لاهوتها. وقد سمح بأديان أخرى في دولته الوهمية؛ بشرط عدم تعارضها مع العقيدة الرسمية. وهو يتسامح مع الأديان "التي تتسامح مع غيرها"؛ أما من يجسر على القول "بأنه لا خلاص خارج الكنيسة" فيجب طرده من الدولة، إلا أن تكون الدولة هي الكنيسة، والملك هو حبرها الأعظم (٢٨)". ولا يسمح بإنكار البنود الواردة في ديانة الدولة.
"وإذا كانت الدولة لا تستطيع إكراه أحد على الإيمان بهذه البنود، فإن في استطاعتها أن تنفيه، لا لزندقته، بل بوصفه كائناً أرستقراطياً، عاجزاً عن محبة القوانين والعدالة محبة صادقة، وعن بذل حياته عند الحاجة في سبيل الواجب. وإذا سلك إنسان-بعد إقراره بهذه العقائد علانية-مسلك من لا يؤمن بها، كان عقابه الموت (٢٩)".
وهذه الجملة الأخيرة هي أشهر الجمل في "العقد الاجتماعي" بعد "ولد الإنسان حراً وهو في كل مكان مكبل بالأغلال" وإذا أخذت بمنطوقها الحرفي كان معناها إعدام كل مكن يسلك مسلك من لا يؤمن بالله، أو الجنة أو النار، ولو طبقت على باريس ذلك الزمان لأنضبت تلك العاصمة من أهلها. ولعل حب روسو للعبارات المسرفة التي تهز القراء طوح به إلى أن يقول أكثر مما يعني. ولعله تذكر مجمع أوجزنورج (١٥٥٥) الذي وافق فيه كل الأمراء الموقعين على قراراته على أن يكون لكل منهم الحق في أن ينفي من أملاكه أي شخص لا يقبل مذهب الأمير. وفي قوانين جنيف إذا أخذت حرفياً (كما حدث في حالة سرفيتوس) سابقة لوحشية روسو المفاجئة. وقد اعتبرت أثينا القديمة "رفض الاعتراف بالآلهة الرسميين" جريمة كبرى، كما حدث في نفي أناكساجوراس وقتل سقراط بالسم، وكان هذا بالمثل القذر الذي بررت به روما الإمبراطورية اضطهادها للمسيحيين، وأخذ برأي روسو هذا في معاملة المجرمين يمكن أن يوصف الأمر باعتقاله ب، هـ من أفعال المحبة المسيحية.