للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا بد أن تثير عواطف كل إنسان فينحاز إليك، ولكني أعلل نفسي بأنك واجد في إنجلترا أماناً مطلقاً من كل اضطهاد، لا بفض ما تمتاز به قوانيننا من روح سمحة فحسب، بل بفضل الاحترام الذي يكنه كل الناس هناك لشخصيتك (٩٥) ".

وفي ٢٦ أكتوبر غادر روسو جزيرة سان-بيير ورتب أن تظل تريز حيناً في سويسرا، ورحل هو إلى ستراسبورج، ومكث فيها شهراً كاملاً دون أن يستقر على رأي. وأخيراً قرر أن يقبل دعوة هيوم إلى إنجلترا، ومنحته الحكومة الفرنسية جوازاً بالحضور إلى باريس. هناك التقى به هيوم أول لقاء، وما لبث أن شغف به، وتحدثت باريس كلها عن عودة للنفي. وكتب هيوم يقول "محال وصف أو تصور تحمس هذه الأمور لروسو … فلم يظفر شخص قط بما ظفر به من اهتمام القوم … لقد حجب بهاء فولتير وسواه حجباً تاماً (٩٦) ".

ولكن الصدقة الوليدة أصيبت بصدع في المهد ومن العسير هنا أن نحدد الحقائق بدقة أو نرويها دون تحيز. ففي أول يناير ١٧٦٦ أرسل جريم إلى قرائه التقرير الآتي:

دخل جان-جاك روسو باريس في ١٧ ديسمبر. وفي الغد تمشي في حدائق اللكسومبرج وهو يرتدي زيه الأرمني، وإذ لم ينبه أحد إلى الأمر فأن أحداً لم ينتفع بالمشهد. وقد أسكنه الأمير كونتي في التامبل حيث يعقد الأرمني المذكور بلاطه كل يوم. كذلك يتمشى يومياً في ساعة معينة في الشوارع الكبيرة القريبة من مسكنه (١). وهاهو ذا خطاب تداولته الأيدي في باريس خلال مكثه هنا، وقد لقي نجاحاً كبيراً (٩٨) ".

وهنا نقل جريم خطاباً زعم أن روسو تلقاه من فردريك الأكبر. وكان


(١) قارن خطاب روسو لصديقه دلوز: "وددت لو استطعت الخروج وزيارتك، ولكني مضطر لرجائك أن تحضر أنت إليّ تحاشياً للإعلان عن قلنسوتي الأرمنية في الشوارع".