أن يدع القادر على حكمه أن يحكمه، والآخر أن العالم يحكمه دائماً من هم بالطبيعة أصلح الحاكمين (١٠٦).
وفي مثل هذه الحالات يرتد الشعب المغلوب إلى مرحلة التطور التي وصل إليها غالبوه. وهكذا أرتد سكان الإمبراطورية الرومانية إلى الهمجية والتخلف بعد غزوات الشعوب الهمجية واضطروا إلى أن يبدءوا بالتيوقراطية (حكم الكهنة واللاهوت)؛ وتلك كانت العصور المظلمة. ثم جاء عصر بطولة آخر بمجيء الحروب الصليبية؛ وأمراء الإقطاع يقابلون أبطال هومر ودانتي هو هومر مكرراً.
ونسمع في فيكو أصداء للنظرية التي تزعم أن التاريخ تكرار دائر، ولقانون مكيافللي " Corsi e Ricori التطور والتقهقر" وفكرة التقدم تضار في هذا التحليل، فليس التقدم إلا نصف حركة دورية نصفها الأخر الانحلال؛ والتاريخ، شأنه شأن الحياة، هو تطور وانحلال في تعاقب وحتمية لا محيص عنهما.
وقدم فيكو في الطريق إلماعات مدهشة. فقد رد الكثيرين من أبطال الأساطير الكلاسيكية إلى الأسماء البعدية Eponyms والتشخيصات التالية لعمليات ظلت طويلاً لا شخصية أو متعددة الشخصيات، فأورفيوس مثلاً كان المدمج الوهمي لموسيقيين بدائيين كثيرين، وليكورجوس كان التجسيد لسلسلة القوانين والعادات التي جمدت إسبارطة، ورومولوس كان ألف رجل جعلوا من روما دولة. (١٠٧) وبالمثل رد فيكو هومر إلى الخرافة، مدللا على ذلك-قبل كتاب فردريك فولت "مقدمات نقدية لهومر (١٧٩٥) بنصف قرن-بأن الملاحم الهومرية إنما هي حصيلة تجمعت وأدمجت شيئاً فشيئاً لجماعات وأجيال من رواة الملاحم الذين كانوا ينشدون بطولات طروادة وأوديسيوس في مدن اليونان (١٠٨). وقبل قرن تقريباً من صور كتاب بارتهولد نيبور "تاريخ روما" (١٨١١ - ٣٢) رفض فيكو الفصول الأولى من تاريخ ليفي لأنه أسطورية. "كل تواريخ