باريس بما استطاعا حمله من مقتنياتهما في مركبتين فأوقفهما عند أبواب المدينة حشد يسألهما عن حقهما في مغادرته. يقول الفييري "قفزت من المركبة بين الغوغاء، ملوحاً بجوازات سفري السبعة وأخذت أصيح وأحدث ضجة .. وهو دائماً السبيل إلى التغلب على الفرنسيين (١٠٤) ". وواصلا الرحلة راكبين إلى كاليه وبركسل، وهناك نما إليهما أن السلطات الثورية في باريس أمرت بالقبض على الكونتيسة. فهرعا إلى إيطاليا، واستقرا في فلورنسا. وكتب الفييري الآن Misogallo مضطرباً بنار الحقد على فرنسا و"حشد عبيدها أبناء السفاح"(١٠٥).
وفي ١٧٩٩ استولى جيش الثورة الفرنسية على فلورنسا فلجأ الفييري والكونتيسة إلى فيللا في ضاحية حتى رحل الغزاة. وقد أضعفه وأشابه انفعال هذه السنين، فاعتقد في ختام ترجمته الذاتية التي كتبها عام ١٨٠٢ وهو بعد في الثالثة الخمسين أنه شاخ. وأوصى بكل ممتلكاته للكونتيسة ثم مات بفلورنسا في ٧ أكتوبر ١٨٠٣ ودفن في كنيسة سانتا كروتشي. وهناك أقامت له الكونتيسة أثراً ضخماً من صنع كانوفا، وقد مثلت فيه إيطاليا تنوح فوق المقبرة. وقد ضمت إلى حبيبها هناك في ١٨٢٤.
وتكرم إيطاليا الفييري باعتباره Il Vate d'Italia نبي الأحياء الذي حررها من الأغلال الأجنبية الكنيسية. وكانت دراماته على ما فيها من حدة ورتابة تقدماً منشطاً خلف ورائه المآسي العاطفية التي كانت تقدم للمسرح الإيطالي قبله. ومن تمثيلياته "فليبو" و "شاول" و"ميرا" أعدت روح إيطاليا نفسها لماتزيني جاريبالدي.
ولم يقتصر نشر الطغاة Della Tirannide في الخارج على كيل (١٧٨٧) وباريس، بل طبع في ميلانو (١٨٠٠) وغيرها من المدن الإيطالية في ١٨٠٢ و١٨٠٣ و١٨٠٥ و١٨٠٩ و١٨٤٠ و١٨٤٩ و١٨٦٠، وأصبح لإيطاليا ما كان لفرنسا وإنجلترا وأمريكا كتاب يبين "حقوق الإنسان"(١٧٥٠). وكان الفييري بداية الحركة الرومانسية في إيطاليا، بيرونا قبل بيرون، يبشر بتحرير العقول والدول من أغلالها. وبعده كان لزاماً على إيطاليا أن تتحرر.