فلم تقوَ معدته على هضم سرعة عدوه، وقد حذرته مراراً ودون جدوى بحاجته إلى الراحة. وأنذره الأمير دلين بأنه يقتل نفسه، وكان عليماً بهذا، ولكنه قال "وما الذي أستطيعه؟ أنني أقتل نفسي لأنني لا أستطيع أن استنفر الآخرين ليعملوا"(٨١). وكانت رئتاه مريضتين، وصوته ضعيفاً مكتوماً، وكان يشكو الدوالي وتدميع عينيه، والحمرة، والبواسير .. وقد عرض نفسه لكل الأجواء في حربه مع الترك، وأصابته حمى الربيع كما أصابت الألوف في جيشه. وكان لا يقوى على التنفس أحياناً؛ "أن قلبي يخفق لأقل حركة"(٨٢) وفي ربيع ١٧٨٩ بدأ يتقيأ دماً-تقريباً ثلاث أوقيات في الدفعة كما كتب لأخيه ليوبولد. وفي يونيو أصيب بآلام عنيفة في كليتيه. "إنني أتبع أشد نظم التغذية صرامة فلا آكل لحماً ولا خضراً ولا مستحضرات ألبان، وغذائي الحساء والأرز"(٨٣) ثم طلع له خراج شرجي وكان لابد من شقه هو وبواسيره بمبضع الجراح. وأصيب بالاستسقاء. فدعا ليوبولد ليحضر ويتسلم شؤون الحكم. وقال:"لست آسف على التخلي عن العرش. كل ما يحزنني أن يكون عدد الناس السعداء قلة قليلة كهذه"(٨٤). وكتب إلى الأمير دلين "لقد قتلني وطنك. كان الاستيلاء على عنت عذابي وخسارة بروكسل هي موتي .. اذهب إلى الأراضي الواطئة وأعدها إلى ملكها، فإن لم تستطع فابقَ هناك. لا تصحِ بمصالحك من أجلي فأنت أب لأطفال"(٨٥). ثم كتب وصيته وترك الهبات السخية لخدمه وللـ"سيدات الخمس اللاتي أطقن عشرته"(٨٦). وتناول في استسلام أسرار الكنيسة الكاثوليكية الأخيرة وطلب الموت وفي ٢٠ فبراير ١٧٩٠ استجابت السماء وكان يومها في الثامنة والأربعين. واغتبطت فيينا برحيله وقدمت المجر الشكر لله.
أكان إنساناً فاشلاً؟ في الحرب نعم، بلا جدال. وقد وجد ليوبولد الثاني (١٧٩٠ - ٩٢) أن من الحكمة رغم انتصارات لاودن أن يبرم الصلح مع تركيا (٤ أغسطس ١٧٩١) على أساس الوضع السابق للحرب. وإذ عجز عن تهدئة الأشراف المجريين فقد ألغى منح الحرية للأقنان. أما في بوهيميا والنمسا فقد احتفظ بمعظم الإصلاحات ولم تلغَ مراسيم الصلح، ولم تفتح