أطفاله السبعة جاوزا سن الطفولة: ماريا آنا (ماريا "نانيزل") المولودة في ١٧٥١، وفولفجانج أماديوس المولود في ٢٧ يناير ١٧٥٦ (واسم الغلام الكامل-الذي تشفعت به الأسرة لدى قديسين عديدين- كان يوانس خريسوستومس فولفجانجس تيوفيلوس موتسارت، وقد ترجم تيوفيلوس من اليونانية إلى اللاتينية بأماديوس أي محب الله). وكان ليوبولد زوجاً وأباً طيباً، مخلصاً ومجتهداً. وخطاباته لولده تفيض محبة ولا تعوزها الحكمة. وكان بيت موتسارت-إذا أغضينا عن قليل من نابي الحديث يدور فيه-مرفأ للحب المتبادل، والتقوى الأبوية، والدعابات الطفلية، والموسيقى التي لا تنقضي.
كان القوم يتوقعون من كل طفل ألماني أن يصبح موسيقياً إلى حد ما، يعزف على إحدى الآلات. وعلم ليوبولد أطفاله الموسيقى مع مبادئ القراءة. فكانت ماريانا قد أتقنت في الحادية عشرة العزف على الكلافيكورد. أما فولفجانج فقد عكف على الكلافير في شغف بعد أن حفزته قدوتها، فاستطاع في الثالثة أن يميز بين الأوتار، وفي الرابعة أن يعزف عدة قطع من الذاكرة، وفي الخامسة ابتكرا ألحاناً سجلها أبوه أثناء عزفها. وامتنع ليوبولد عن اتخاذ تلاميذ آخرين يلقنهم الموسيقى ليفرغ بجملته لطفليه وإن كلفة ذلك بعض التضحية. ولم يرسل "فولف" إلى المدرسة، لأنه نوى أن يكون معلمه في كل شيء. ولعل هذا التعليم اقتضى شيئاً من الضبط الألمانيين ولكن لم تكن الحاجة لكثير منه في هذه الحالة، ذلك أن الغلام كان يلزم لوحة المفاتيح من تلقاء نفسه ساعات طوالاً إلى أن يجبر على مبارحتها (١). وقد كتب إليه ليوبولد بعد هذه الفترة بسنوات يقول:
"لقد كنت في مرحلة الطفولة والصبى تسلك مسلكاً جاداً يختلف عن مسلك سائر الأطفال، وحين كنت تعزف الكلافير، أو تعكف على الموسيقى، لم تكن تسمح بأقل مزاح معك. لا بل إن سحنتك ذاتها كانت تتسم بطابع الجد الشديد، حتى لقد تنبأ الكثيرون ممن راقبوك بأنك ستموت قبل أوانك بسبب نبوغك المبكر ومظهرك الجاد (٢) ".