في أحد النبلاء المدعو الدوق دجين، وألف موتسارت له ولابنته الكونشرتو الرائع في مقام " C" للفلاوته والهارب (ك ٢٩٩)، وأعطى الشابة النبيلة دروساً في التأليف الموسيقي لقاء أجر طيب، ولكنها لم تلبث أن تزوجت ولم يدفع الدوق سوى ثلاثة جنيهات ذهبية "لوي دور" (٧٥ دولاراً) لكونشرتو كان خليقاً بأن يطرح باريس تحت قدمي موتسارت. ولأول مرة في حياته فارقته شجاعته. فكتب إلى أبيه في ٢٩ مايو يقول "إنني في صحة لا بأس بها ولكنني كثيراً ما أتساءل هل الحياة تستحق أن يعيشها المرء". وانتعشت روحه المعنوية حين كلفه لجرو، مدير الكونسير سيرتيوبل بكتابة سمفونية (ك ٢٩٧) أديت بنجاح في ١٨ يونيو.
ثم ماتت أمه في ٣ يوليو. وكانت قد بدأت حياتها الجديدة بالاستمتاع بتخففها من متاعب سالزبورج وعناء الزوجية، ولكن سرعان ما حنت إلى بيتها وواجباتها واتصالاتها اليومية التي تضفي على حياتها غنى ومغزى. وحطمت صحتها رحلة الأيام التسعة إلى باريس في مركبة مهتزة ورفقة منفرة ومطر غزير، وألقى فشل ابنها في أن يجد له وظيفة في باريس ظلاً من الكآبة على روحها المرحة عادة. وراحت تقضي الأيام وحيدة وسط بيئة غريبة وألفاظ لا تفهمها، بينما يذهب ابنها إلى تلاميذه وإلى الحفلات الموسيقية والأوبرات … ورآها موتسارت الآن تذبل في هدوء، وأنفق الأسابيع الأخيرة بجوارها يرعاها ويحنو عليها ولا يكاد يصدق أنها قد تموت بهذه السرعة.
وقدمت له مدام دبينيه حجرة في منزلها مع جريم، ومكاناً على مائدتها، وحرية استعمال بيانها. ولم ينسجم تماماً مع جريم في هذه الجيرة، القريبة فلقد كان جريم يمجد فولتير وموتسارت يحتقره، وصدمه زعم مضيفيه وأصدقائهم بأن المسيحية ليست سوى أسطورة نافعة في ضبط المجتمع. وأراده جريم أن يقبل التكليفات الصغيرة سبيلاً إلى الكبيرة، وأن يعزف دون أجر الأسر ذات النفوذ، بيد أن موتسارت أحس أن عملاً كهذا سينضب قوته التي يؤثر أن يدخرها للتأليف. وحكم