وكان على النساء الإفادة ما استطعن من قدودهن اللدنة الرشيقة، فمتى ذبلت محاسنهن جر عليهن الزمن ذيول النسيان في زوايا الحريم. وكان لفظ "الحريم" هذا لا يقصر على أزواج الرجل وسراريه، بل ينسحب على كل إناث بيته. وقد ظل الحجاب مضروباً عليهن في القرن الثامن عشر، وكان يسمح لهن بالخروج من الدار، ولكن (بعد ١٧٥٤) كان عليهن إذا خرجن أن يخفين كل عضو فيهن إلا عيونهن الساحرة، ولا يدخل جناحهن غير الأب، أو الأخ، أو الزوج، أو الابن. وحتى بعد الموت كان المفروض أن يتصل هذا الفصل بين الجنسين في الدار الآخرة. فالمؤمنات لهن جنتهن غير جنة الرجال، والمؤمنون يمضون إلى فردوس آخر ترفه فيه عنهم حور من الجنة أبكار متجددات الشباب. وكانت خيانة المرأة لزوجها تعاقب عقاباً صارماً ويندر حدوثها، وكان العربي يحلف بـ "شرف حريمه" كأغلظ الإيمان (٧). وروت الليدي ماري أن النساء التركيات اللاتي سمح لها بلقائهن لم تضقن بالحجاب الذي عزلهن عن الرجال. وقد رأت بعضهن يعدلن في جمال الوجه وحسن القد ورفاهة الطبع "أشهر حساننا الإنجليزيات (٨). فلما أذن لها بدخول أحد الحمامات العامة الكثيرة، تبين لها أن النساء يمكن أن يكن جميلات حتى لو تجردن من الثياب. وقد افتتنت على الأخص بنساء الطبقة الراقية في حمام بأدرنة. دعوتها لخلع ملابسها والاستحمام معهن، فاعتذرت. "ولما اشتد إلحاحهن عليَّ اضطررت في النهاية إلى أن أفتح قميصي وأريهن مشدي (الكورسيه)، فأقنعهن هذا تماماً إذ رأيت أنهن اعتقدن أني حبيسة بقيود تلك الآلة بحيث لا أقوى على فتحها، وقد عزون هذه الحيلة لتدبير زوجي. وعلقت إحداهن قائلة "انظرن كم يقسو الأزواج الإنجليز على نسائهن المساكين (٩) ".
وكان الأتراك فخورين بحماماتهم العامة، يرون أنفسهم على العموم شعباً