للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبدأت طبقة وسطى صغيرة عديمة الحول سياسياً تتشكل ببطء بين طبقتي النبلاء والفلاحين. ففي عام ١٧٢٥ كان نحو ثلاثة في المائة من السكان تجاراً: أصحاب متاجر في القرى والمدن والأسواق، ومستوردين للشاي والحرير من الصين والسكر والبن والتوابل والعقاقير من وراء البحار، وللمنسوجات الفاخرة والخزف والورق من غربي أوربا، ومصدرين للخشب والتربنتينة والقار وشحم الحيوان والكتان والقنب. وكانت القوافل تسافر إلى الصين بطريق سيبيريا أو بحر قزوين، والسفن تقلع من ريجا وريفل ونارفا وسانت بطرسبرج. ولعل الأنهار والقنوات كانت تنقل من التجارة أكثر مما تنقله الطرق البرية أو البحرية.

وكانت موسكو تقع في قلب تلك التجارة الداخلية، وكانت من الناحية المادية أكبر مدن أوربا، إذ أنها بها شوارع طويلة عريضة، و٤٨٤ كنيسة ومائة قصر، وآلاف الأكواخ والزرائب، ويكن بلغوا ٢٧٧. ٥٣٥ في ١٧٨٠ (١٠)، والفرنسيون والألمان واليونان والإيطاليون والإنجليز والهولنديون والآسيويون يتحدثون لغاتهم ويعبدون آلهتهم كما يشاءون. وكانت سانت بطرسبرج قلعة الحكومة. ومعقلاً لأرستقراطية متفرنسة، ومركزاً للأدب والفن، أما موسكو فكانت قطب الديانة والتجارة، وتتسم بحياة نصف شرقية لم تخلع عنها طابعها الوسيط، وبوطنية وسلافية مشربة بالغيرة والإخلاص. هاتان كانتا البؤرتين المتنافستين اللتين تدور حولهما المدينة الروسية. حيناً تمزق الشعب شطرين كالخلية المنقسمة، وحيناً تحيله مركباً متوتراً سيصبح قبل ختام القرن مبعث الرعب لأوربا والحكم الفيصل في مصيرها.

وكان محالاً على شعب أضناه ووحشه صراعه مع الطبيعة، وأعوزته أسباب الاتصال أو الأمن على الحياة، وأفتقر أشد الافتقار إلى فرص التعليم وإلى الوقت الذي يفكر فيه-نقول إن شعباً كهذا كان محالاً عليه أن يحظى بامتيازات الديمقراطية في صورة من صورها، ومن ضرب عن النظام