أثراً لشيء من هذا في أقدم ما عرفنا من عهود هذه اللغة، فكل كلمة فيها قد تكون اسما أو فعلاً أو صفة أو ظرفاً بحسب سياقها وطريقة النطق بها. ولما كانت اللهجات الكلامية لا تحتوي على أكثر من ثلاثمائة أو أربعمائة لفظ صوتي ذي مقطع واحد، ولما كانت هذه المقاطع هي التي تستعمل للتعبير عن الأربعين ألف حرف المستخدمة في اللغة الكتابية فإن لكل واحد من الألفاظ الصوتية "نغمات" تختلف من أربع إلى تسع بحيث يختلف معناه باختلاف طريقة التغني به.
وتوضح حركات الجسم وسياق الكلام هذه النغمات، وتجعل كل صوت يؤدي أغراضاً متعددة، فحرف الباء وحده مثلاً قد يؤدي تسعة وستين معنى كما أن اللفظ شي تسعة وخمسين، وللفظ كو تسعة وعشرين (٣٠). ولسنا نعرف لغة من اللغات قد بلغت ما بلغته اللغة الصينية من التعقيد والدقة والاختصار.
وكانت لغة الكتابة أكثر اختلافاً عن سائر لغات العالم من لغة الكلام. تشهد بذلك الأدوات التي استخرجت من هونان والتي يرجعها المؤرخون إلى عهد أسرة شانج وإن لم يكونوا واثقين من ذلك كل الثقة، فقد وجدوا على هذه الأدوات كتابة برموز لا تختلف كثيراً عن الرموز المستعملة في هذا الجيل. ولهذا فإننا إذا استثنينا عدداً قليلاً من الأقباط الذين يتكلمون اللغة المصرية القديمة (١) فإن اللغة الصينية هي أقدم اللغات التي ينطق بها الناس في هذه الأيام وأوسعها انتشاراً. وكان الصينيون في بادئ الأمر يعقدون عقداً في خيوط لينقلوا بها رسائلهم، وأكبر الظن أن حاجة الكهنة إلى نقل الطلاسم السحرية وحاجة الفخرانيين إلى تمييز آنيتهم بعضها من بعض هي التي أدت إلى الرموز المصوِّرة (٣٢).
(١) نقول هنا ما قلناه من قبل وهو أن أقباط مصر لا يتكلمون اللغة المصرية القديمة، وإذا كان من إخواننا الأقباط فإنهم لا يستعملونها في كلامهم. وليست اللغة القبطية هي اللغة المصرية القديمة وإن احتوت بعض ألفاظها. (المترجم)